في الوقت الذي يعود فيه الملف النووي الإيراني ليفرض نفسه على السياسة الدولية، وسط صيف ساخن نغّص على الرئيس بوش إجازته. ومع التحريض الإسرائيلي الذي تزامن مع وصول الرئيس المتشدد محمود نجاد وتحذيرات أميركية- بريطانية من عمليات إرهابية في السعودية وسياسة حافة هاوية نووية في إيران يزدحم المشهد الدولي بالتطورات مع الذكرى الستين لإلقاء القنبلتين النوويتين على هيروشيما وناكازاكي.
ومع ارتفاع أسعار النفط إلى 64 دولاراً للبرميل يتصلب الموقف الإيراني حيث يتلخص المشهد بتحذيرات أوروبية وتهديدات أميركية وتحدٍّ إيراني.
القصة باختصار معقدة وبحاجة إلى شرح. في عام 2002، فضحت جماعة إيرانية معارضة وجود موقعين سريين نوويين مما فضح 20 عاما من البرنامج السري النووي الإيراني وجعل أميركا والغرب يتوجسان ويتخوفان من البرنامج النووي الإيراني.
إيران تصر على أنه من حقها حسب القانون الدولي وسيادة الدول أن تمتلك برنامجا نوويا سلميا لأغراض الطاقة والطب والعلوم والتقنية. كما أن إيران تتعامل منذ ذلك الوقت بشفافية مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ووافقت على وساطة الترويكا الأوروبية في نوفمبر 2004 بوقف تخصيب اليورانيوم المادة التي تتحول إلى غاز ووقود لإنتاج القنبلة النووية.
أقنعت الولايات المتحدة أوروبا ممثلة ببريطانيا وفرنسا وألمانيا (الترويكا الأوروبية) بضرورة التفاوض مع إيران لإقناعها بوقف برنامجها النووي. إيران بعد 9 أشهر ضاقت ذرعا بعد أن قدمت الدول الأوروبية الثلاث اقتراحات بصفقة متكاملة سياسية، اقتصادية، تجارية، نووية تسمح لإيران بامتلاك برنامج نووي لأغراض سلمية دون السماح لها ببناء المفاعلات أو إنتاج الوقود، بل تزودها أوروبا به، وتساعدها على دخول منظمة التجارة العالمية وتتعاون مع إيران في قضايا الإرهاب ومحاربة الاتجار بالمخدرات وتجعل إيران المنفذ الرئيسي للطاقة في المنطقة كرشوة مقابل التنازل الكلي عن البرنامج النووي الإيراني.
رفضت إيران المقترحات التي وصفها الرئيس الإيراني والمسؤولون الإيرانيون بالمهينة مطالبين الترويكا بالاعتذار والتي وصفها علي لاريجاني رئيس الفريق الإيراني المفاوض حول الملف النووي والمعروف بتشدده والذي خلف البراغماتي حسن روحاني، بأنها أشبه باستبدال لؤلؤة بقطعة حلوى. نفذت إيران تهديدها واستأنفت العمل وبشكل جزئي في تحويل اليورانيوم إلى غاز دون التخصيب.
الوكالة الدولية للطاقة الذرية عقدت اجتماعاً طارئا في مقرها في فيينا وستصدر قرارا يدعو إيران للتعقل والعودة لاتفاقية باريس، بوقف جميع الأنشطة النووية، حسب اتفاقية الحد من انتشار الأسلحة النووية الموقع عليها من إيران. ويقول الإيرانيون إنه يحق لبلادهم إنتاج الغاز والتخصيب، لذلك فإيران لا تخرق المواثيق والاتفاقيات الدولية، وموقف إيران قوي قانونيا وشفاف ولكن تاريخها بالبرنامج السري وشعورها بالحصار الأميركي من جميع القواعد المنتشرة حولها والتعثر الأميركي في العراق وتعثر المفاوضات مع كوريا الشمالية حول ملفها النووي واختلاف الموقف الأوروبي والإسلامي حول الملف النووي الإيراني كل ذلك يقوي الموقف الإيراني.
ثم إن الملف النووي الإيراني مصدر عز وفخر وكبرياء للإيرانيين ويجتمع حوله جميع ألوان الطيف الإيراني.
السيناريوهات خطيرة، والحل هو بالتفاوض لأن التصعيد لن يفيد أحدا...الذهاب إلى مجلس الأمن لفرض عقوبات محفوف بالمخاطر بفيتو روسي أو صيني والضربة العسكرية غير مضمونة بل ستكون كارثية للجميع دون استثناء.
يكتسب الملف النووي الإيراني أهمية كبيرة تنذر بتطورات تعيد التوتر لمنطقة الخليج ككل. مع تصاعد خطر دبلوماسية حافة الهاوية وسط وعود نجاد بالعودة إلى طاولة المفاوضات وتحذيرات بوش بعواقب العقوبات واتهامات رامسفيلد وزير الدفاع الأميركي لإيران بتهريب أسلحة إلى المقاتلين في العراق وتوحد الموقف الأوروبي.
الملفت في كل ذلك أن جميع الدول الخليجية والعربية تغط في سبات عميق، لا تصريح ولا تعليق وكأن الأمر لا يعنينا مع أننا نحن أكثر المعنيين... ولهذا الموضوع مقال آخر...