ذات مرة قال الزعيم الروحي التاريخي للهند "المهاتما غاندي" إن روح الهند الحقيقية تتجسد في القرية الهندية، وإن من يفهم روح هذه القرية سيكون قادرا بالتالي على فهم حقيقة تلك الروح. والناشطون المعارضون لإعادة اختراع الهند، وتصميمها كدولة صديقة للسوق، ومتمدينة، وقوية في تعاملاتها، ومسلحة نوويا، غالبا ما يستحضرون مقولة غاندي بغرض استخدامها لمساءلة الأولويات الحالية لشبه القارة الهندية. ومؤلف كتاب:"معنى أن تكون هنديا: داخل الهند الحقيقية" الذي نقوم بعرضه هنا، وهو الدبلوماسي الهندي "بافان فارما" الذي يقوم بإدارة "مركز نهرو"، (الجناح الثقافي للمفوضية الهندية العليا) بالعاصمة البريطانية "لندن"، يعارض تلك الآراء التي يتبناها الناشطون المعارضون، وغيرها من الآراء المتعلقة بطبيعة الشخصية الهندية. فالهند كما يراها دولة معقدة ولكنها بالتأكيد ليست عصية على الفهم. يقول المؤلف إن هناك أفكاراً نمطية و"اكليشيهات" سائدة عن الهند. من ذلك على سبيل المثال "الإكلشيه" القائل إن الشعب الهندي شعب روحاني يعيش في "توهمات" عقائدية، وعقائد فلسفية، وعادات تأملية تجعله مغيبا عن العالم، وغير واقعي بالمرة، وأن الشعب الهندي هو شعب يجيد الحساب والتعامل مع الأرقام، وأنه هو الذي قدم الأرقام للعالم، وبالتالي فإن ذلك تحديدا كان سبب تفوقه في تقنية المعلومات.
قد يخرج من يقوم بقراءة تلك المقولات بخلاصة مؤداها أن الشعب الهندي - وفقا للأكليشيهات السائدة عنه- غير معني بالقوة ولا يهتم بها، أو أن الهند وكما قال زعيم بريطاني ذات مرة هي "امتداد جغرافي وليست أمة" والمؤلف يعارض كل مقولة من المقولات على حدة. ومن أجل ذلك يقوم بتقسيم الكتاب إلى أربعة أقسام مستقلة هي السلطة، والثروة، والتكنولوجيا، والطبيعة الشاملة للشخصية الهندية. بالنسبة للمقولة الخاصة بأن الشخصية الهندية لا تهتم بالقوة، يقول "فارما": إن ذلك صحيح، ولكن ليس بشكل مطلق لأن الهنود شعب يحاول أن يظهر قوته من خلال عدم استخدامها. فالشعب الهندي لا يلجأ إلى استخدام القوة، إلا إذا كان ذلك الاستخدام سيترتب عليه نصر مضمون. أما بالنسبة للروحانية أو اتهام الهنود بأنهم شعب يركز على الروحانيات ويبتعد عن الواقع.. فإن "فارما" يختلف مع تلك المقولة النمطية ويرى أن من يقولون ذلك لا يفهمون معنى الروحانية بالنسبة للشعب الهندي. فالروحانية لهذا الشعب تعني القبض على مصادر القوة السامية، بهدف تحقيق الرفاهية المادية في النهاية. فسعي الهنود إلى "لاكشامي" (ربة الثروة) هو النسخة الهندية للبحث عن السعادة. وهو يقول أيضا إن الازدهار التكنولوجي السائد في مجال البرمجيات في الهند يتعلق في حقيقته بالحصول على وظائف مغرية، بقدر تعلقه بالمواهب الحسابية الموروثة للهنود. أما بالنسبة لمقولة "إن الهند امتداد جغرافي بأكثر من كونها أمة" فإنه ينبغي فهم أن الذي وحد بين الناس المقيمين في ذلك الامتداد الجغرافي هو مجموعة من الأشياء مثل زيادة حركة السفر، والهجرة الداخلية، والخارجية، ورياضة "الكريكيت"، التي تحتل فيها الهند مكانة دولية كبرى، والسينما الهندية واستوديوهات بوليوود (النسخة الهندية لهوليوود)، والمحطات الفضائية والإذاعات وغير ذلك. ومن المعروف أن "فارما" قد كتب العديد من الكتب عن الطبقة الهندية الوسطى، وعن الميثولوجيا الهندوسية، وعن الشاعر الهندي المعروف "ميرزا غالب". فهو ليس معنيا أو مهتما فقط بمهمته الدبلوماسية التي تتلخص في إظهار الهند في صورة مشرفة، من خلال حوار الهند مع الخارج، ولكنه مهتم أيضا بالحوار الذي يدور داخل الهند ذاتها وبين الأطياف المتنوعة لفسيفسائها العرقي. وهو يقول إن هدفه الأساسي من ذلك، هو أن يتم فهم الهند بشكل جيد ليس فقط من قبل الأجانب، ولكن من قبل الهنود أنفسهم. فهو يرى أن الكثيرين من الهنود لا يفهمون الطبيعة الحقيقية للهند، وأنهم يقومون بنقل ذلك الفهم المغلوط أو القاصر إلى الأجانب. هذا الفهم الجيد، حسب المؤلف، يمثل شرطا لازما لأن الهند سوف تتحول إلى قوة كبرى خلال هذا القرن. والمؤلف لا يحاول مع ذلك التغطية على مظاهر عدم المساواة السائدة في الهند، ولا يحاول تجميل ما هو قبيح فيها، ويعتبر أن هذا أيضا يعتبر شرطا ضروريا ينبغي للهند أن تستوفيه، واستحقاقا يجب عليها سداده، حتى تستطيع أن تتحول إلى قوة عظمى. فالهند حسب قوله لا تخلو من العنف الديني الذي يتفجر بين آن وآخر بين الطوائف الدينية المختلفة في الهند وخصوصا بين الهندوس والمسلمين، كما حدث في "جوجارات" عام 2002. ولكن المؤلف يقول إن الاضطرابات التي اندلعت في ذلك المكان، لا تغطي على حقيقة أن التجار الهندوس يقومون بتمويل المصانع التي يمتلكها مسلمون، والتي تعمل في مجال النسيج في الوقت نفسه الذي يقومون فيه بتمويل المصانع التي يملكها الهندوس. ويسوق المؤلف أدلة أخرى على التسامح الذي يسود الهند، التي يراها دولة ذات أغلبية هندوسية، يرأسها رئيس مسلم، ورئيس وزراء من طائفة "السيخ"، ويرأس الائتلاف ا