إعلان طهران أنها ستستأنف تخصيب اليورانيوم كفيل بأن يُنهي، فعليا، المجهود الدولي الرامي لتنفيذ معاهدة حظر الانتشار النووي؛ فالإيرانيون الآن يواصلون المحادثات مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ويصرون على أنهم غير منخرطين في برنامج للأسلحة النووية-كما تدعى أميركا- ويقومون في الوقت نفسه بترك أجهزة التفتيش التابعة للوكالة في مواقعها للدلالة على سلامة موقفهم.و الجهود التي يبذلها الثلاثي الأوروبي( بريطانيا وفرنسا وألمانيا) لإقناع أو رشوة طهران لدفعها للحد من طموحاتها الدولية، تبدو وكأنها محكوم عليها بالفشل، وهو ما ينطبق أيضا على العقوبات التي ينوي مجلس الأمن الدولي فرضها على طهران، حيث يتوقع أن يتم استخدام حق النقض" الفيتو" ضدها.
وقد قامت طهران بإذاعة إعلانها المذكور في توقيت لافت للنظر وهو الذكرى الستين للهجوم النووي الذي شنته الطائرات الأميركية على نجازاكي والذي يعتبره الكثيرون التجسيد الأول للجنون النووي.إن الهجوم الذري الذي سبق ذلك والذي وقع على مدينة هيروشيما يظل عملا مفهوما- على الأقل من وجهة نظر الحلفاء- لأن الدافع الأساسي إليه كان هو ضرورة كسب الحرب .الدليل على ذلك أن الرئيس الأميركي "هاري ترومان" صرح في ذلك الوقت بأن" القنبلة النووية كانت مجرد سلاح مثلها في ذلك مثل الأسلحة الأخرى".
لقد استمر القصف الأميركي للمدن الخشبية اليابانية -بالقنابل العادية- لعدة أسابيع دون هوادة مخلفاً خسائر بشرية تفوق بكثير تلك التي أحدثها قصف هيروشيما، ورعبا أشد هولا للسكان، وبالتالي لم تكن هناك أي ضرورة للقيام بقصف نجازاكي بقنبلة ذرية بعد ذلك.
بعد الهجوم على هيروشيما مباشرة كتب "بول بولدنج" الصحفي الأميركي المقيم في نيويورك آنذاك مقالاً في مجلة "كاثوليك كومونولث" قال فيه في معرض إشارته إلى العدد الهائل من الضحايا اليابانيين الذين سقطوا جراء ذلك الهجوم: "لماذا لم يقوم الأميركيون بإلقاء القنبلة على موقع خال من السكان ويطالبوا اليابانيين بعد ذلك بالذهاب لرؤية حجم الحفرة التي خلفتها".
وقد وصف الأدميرال "ويليام دي ليهي" الذي عمل رئيسا للأركان تحت قيادة كل من فرانكلين روزفلت وهاري ترومان استخدام القنبلة النووية ضد نجازاكي بأنه " عكس معيارا أخلاقيا لا يختلف عن ذلك السائد لدى البرابرة".
بعد الهجوم على هيروشيما مباشرة أراد وزير الحرب الأميركي في ذلك الوقت" هنري طومسون" الاتصال بطوكيو لمطالبتها بالاستسلام، في الوقت الذي كانت فيه الأخيرة على اتصال بروسيا للتوسط بينها وبين أميركا- وبالتالي ترتيب مسألة استسلامها- بيد أنه لم يكن هناك أحد غيره في واشنطن مهتما بهذا الأمر في ذلك الوقت.
بعد ذلك قام السوفييت بغزو "منشوريا" بواسطة جيشين ميدانيين مما أكد عمليا هزيمة اليابان. ولكن، وفي جزيرة "جوام" الواقعة على الطريق بين هاواي والفلبين والخاضعة لسيطرة أميركا، كانت الأوامر الخاصة بقصف نجازاكي قد اتخذت بالفعل. لقد كان لدى أميركا قنبلتين ذريتين جاهزتين للاستخدام، وكانت العملية الثانية( قصف نجازاكي) بالذات قد تم التخطيط لها طويلا ولم يكن هناك أحد مستعد لتأجيلها على الرغم من أن تنفيذها لم يكن يخدم مصلحة منطقية.
ويقول بعض المؤرخين أن الغرض من استخدام قنبلة نجازاكي كان هو إخافة ستالين. ولقد خاف ستالين فعلا ولكن هذا الخوف هو الذي دفعه إلى إصدار الأوامر إلى علماءه بالعمل في أسرع وقت ممكن على تطوير قنبلة ذرية معادلة في القوة لقنبلة هيروشيما.
وهكذا بدأ سباق التسلح النووي بين العملاقين الأميركي والسوفييتي. ويمكن القول إن اتفاقيات الحد من عدد الصواريخ النووية التي تم التوصل إليها بين واشنطن وموسكو في العقود التي تلت ذلك، كانت تمثل الجهود الرشيدة الساعية لتقليل تكلفة الردع النووي.
وفي عالم التكنولوجيا والاتصالات المعولمة الذي نعيش فيه الآن، وفي العالم الإسلامي الذي يشهد عدم استقرار متزايد، وفي الشرق الأوسط الذي يزداد راديكالية باستمرار، كانت معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية التي بدأ العمل بها عام 1968، تمثل الفرصة الأخيرة لنزع الأسلحة النووية بشكل منطقي وعقلاني.
على الرغم من ذلك يمكن القول إن تلك المعاهدة لم تحل دون قيام دول مختلفة في مناطق العالم بالسعي إلى التسلح النووي كأداة للحماية والردع، كما أنها لم تحل دون قيام إدارة بوش على سبيل المثال بالسعي للحصول على أسلحة نووية جديدة.
وكانت الضربة الأخيرة التي وجهت إلى تلك المعاهدة، هي القبول الضمني من طرف المجتمع الدولي بالهند وباكستان كدولتين نوويتين، ثم قيام واشنطن بتقديم الهند في وقت سابق من هذا العام كعضو في نادي القوى النووية الكبرى.
بشكل أو بآخر يبدو الانتشار النووي وكأنه يمثل مصير البشرية المشترك أي أنه أمر يبدو وكأنه أمر لا سبيل لتجنبه.
من هنا يمكن القول إن الأمن النووي في المستقبل قد يعتمد في النهاية على تطوير ما يعرف بـ"الردع النووي المتعدد الأطراف". والسلوك الرشيد الذي يجب أن يكو