في الوقت الذي ينشغل فيه العالم بمحاربة التطرف الديني وما يترتب عليه من أعمال إرهابية تنسب لمنظمات إسلامية، تأتي المجزرة التي ارتكبها جندي إسرائيلي يهودي متطرف ضد السكان العرب العزل في مدينة "شفا عمرو"، لتدق الأجراس، وتنبه إلى أن التطرف اليهودي يجب أن يخضع لنفس معايير الحرب ضد الإرهاب من المجتمع الدولي.
لقد جاءت المجزرة على يد جندي يدعى "عيدان زادا" يقيم في مستوطنة "تبوح" معقل أنصار وعناصر حركة "كهانا" العنصرية التي تأسست في أعقاب رحيل زعيمها الحاخام الذي قاد منظمة "كاخ" الداعية إلى طرد العرب من فلسطين. وتشير تقارير الصحف الإسرائيلية إلى أن تاريخ التطرف في سيرة هذا الجندي كانت معروفة لسلطات الجيش النظامي ولجهاز أمن الدولة الإسرائيلي "شاباك". وهنا يثور السؤال حول مسؤولية هذه السلطات الأمنية عن السماح لهذا الجندي بالتجول الحر الذي مكنه من ارتكاب المجزرة الإرهابية. لقد هرب الجندي الإرهابي من الجيش حاملاً معه سلاحه النظامي الذي ارتكب به المجزرة بعد أربعة شهور من الخدمة العسكرية التي كشف خلالها عن توجهاته الإرهابية، وفي أعقاب فراره من الجيش ولجوئه إلى مستوطنة "كاهانا" العنصري، التحق بمدرسة دينية يهودية متطرفة وشارك وهو يحمل سلاحه في تظاهرات نظمتها حركة "رفافاه" المتطرفة والداعية إلى هدم المسجد الأقصى. ومن هنا يصبح السؤال الذي طرحه المحلل السياسي لصحيفة "يديعوت أحرونوت" شديد الوقع والأهمية؛ فقد تساءل المحلل "أليكس فيشمان" قائلاً: كيف لم تتحرك سلطات الجيش بعد هرب الجندي بسلاحه؟ والسؤال الآخر في ذات السياق مؤداه: كيف ولماذا لم يقم جهاز "الشاباك" بعد علمه بانخراط الجندي الهارب في أنشطة منظمة "كاهانا" ومنظمات متطرفة أخرى بإخطار سلطات الجيش للقبض عليه؟ ولماذا لم يقم جهاز "الشاباك" باعتقال الجندي الهارب وتسليمه لسلطات الجيش، وهو يعلم أن الجندي بسلاحه النظامي يمثل مشروعاً إرهابياً مؤكداً ضد العرب؟
إن هذه الأسئلة المحددة تشير إلى حقيقة واضحة، وهي أن التطرف اليهودي يتمتع بحريته ويترك طليقاً إلى أن يضرب ضربته الإرهابية. وهنا جوهر القضية التي يجب أن ينشغل بها الساسة العرب الذين يمثلوننا في جامعة الدول العربية ليقوموا بواجبهم في بلورتها وجمع الأدلة المتوفرة في الصحافة الإسرائيلية على أن هذا الجندي ليس حالة منفردة عابرة بل هو نموذج لمئات من أمثاله يكونون على مرأى ومسمع من السلطات الإسرائيلية ظاهرة إرهابية متكاملة الأركان بدءاً من ركن الفكر الديني العنصري المتطرف، الهادف إلى التطهير الديني والعرقي للأرض الفلسطينية من سكانها العرب المسلمين والمسيحيين، ووصولاً إلى ركن التنظيم الإرهابي المسلح.
إن رؤية جديدة يجب أن تحكم تحركات جامعة الدول العربية عند طرح جهود مكافحة الإرهاب القائم على أفكار دينية في العالم، وهي رؤية يلزم أن تساوي بين الفكر الديني المتطرف في جميع الأديان باعتباره مصدراً من مصادر الإرهاب ضد المدنيين العزل. وعلى ساستنا في جامعة الدول العربية أن يضعوا في الاعتبار أن مجزرة "شفا عمرو" ليست سوى مقدمة لموجة أشد عنفاً وضراوة ستتوالى ضرباتها ضد المدنيين الفلسطينيين، كلما لاح أن عملية التسوية الهادفة إلى إقامة دولة فلسطينية تعيش في سلام إلى جانب إسرائيل، في طريقها إلى التقدم على الأرض.
لقد كان شعار مجزرة "شفا عمرو" الذي تركه الجندي اليهودي الإرهابي، دالاً على رفض إخلاء مستوطنات غزة، فقد ترك الجندي رسالة يقول فيها: "إن اليهودي يجب ألا يطرد أخاه اليهودي"، في إشارة واضحة إلى قرار الحكومة الإسرائيلية بترحيل المستوطنين اليهود في غزة إلى خارجها. فما بالنا عندما تقترب عملية التسوية من بحث وجود المستوطنين اليهود في الضفة؟
علينا من الآن أن نضع على خريطة السياسة الدولية قضية التطرف اليهودي الإرهابي وسبل مكافحته قبل أن يصبح الأوان متأخراً.