مع أن الإرهاب صار يمثل تحديا غير تقليدي للعالم بأسره، إلا أن الدول المستهدفة مازالت تخوض الحرب ضده بأسلحة تقليدية·
بمعنى أن أسلوب المواجهة مازال محصورا في نطاق تبادل المعلومات أو التحذيرات من الإرهابيين أو جرائمهم المتوقعة· وهذه تحديدا تبدو احيانا كما لو أنها تقلبات مناخية، تضطر بعض الحكومات لإصدار تحذيرات غامضة من وقوعها في هذا البلد أو ذاك·
لقد كان يفترض والعالم يواجه مصيرا مشتركا وخطرا واحدا من هذا النوع أن يعمد الى توحيد صفوفه وجهوده للوقوف أمام هذا الوحش الزاحف·
وثبت بالدليل القاطع أن الإرهابيين ليسوا أفرادا ولا مجموعات منفصلة بل إنهم شبكات عنقودية مترامية الأطراف على امتداد العالم· وبالتالي لا يصح أبدا التعامل معهم بالقطعة·
إن الظاهرة تحتاج إلى أسلوب مواجهة شامل، حتى يمكن خنقها، لأنها في الأساس قضية دولية مصيرية لم تدع للعالم فرصة· لدرجة أن المجتمع الدولي نفسه صار يتحرك وفق ايقاعها وعملياتها·
أي أن الإرهاب صار هو الذي يحدد بدرجة كبيرة الأجندة المحلية والدولية بالنسبة لكثيرين، أمنيا واقتصاديا وسياسيا·
إن بعض الدول ولأسباب غير واضحة، بدلا من أن تعتمد سياسيات تستأصل الجرثومة من جذورها فإنها تلجأ - مضطرة طبعا في بعض الأحيان- الى تحذير رعاياها في هذه الدولة أو تلك من عمليات إرهابية وشيكة، أو حتى إغلاق مقار بعثاتها الدبلوماسية لفترة من الوقت·
وربما كان مرد هذه السياسات أنها مازالت تنطلق حتى الآن من كون الإرهاب مجرد قضية أمنية ينحصر نطاق التعامل معها في حدود الأجهزة الأمنية والمخابراتية·
بينما الأمر في حقيقته يستدعي ويحتم أسلوب تعامل أعمق وأقوى وأشمل من ذلك· وما تعرضت له بريطانيا يثبت جانبا من ذلك· فالجناة حسبما تشير التقارير حتى الآن ليسوا إرهابيين محترفين مسجلين لدى أجهزة الأمن بل هم في الأساس مواطنون عاديون· تحولوا تدريجيا وفي صمت الى قنابل موقوتة انفجرت فجأة دون سابق إنذار·
وهنا تكمن الطبيعة الخطرة لموجة الإرهاب الجديد·
إن مثل هذه القنابل البشرية الغامضة التي تعيش بين الناس بصورة عادية تستدعي مواجهتها أسلوبا جديدا وطريقة مبتكرة لنزع فتيلها· وبالتأكيد هذا الأسلوب لا يمكن أبداً أن يكون فقط مجرد تبادل للمعلومات أو إصدار التحذيرات أو اغلاق السفارات·