هاتفتني صديقة قديمة.. وهي جذلى: قولي مبروك.. قد حصل زوجي على الجواز أخيراً.
لم أقل مبروك، سألتها: لكن زوجك لا يعرف العربية ويحمل جنسية أفريقية وجذوره الحقيقية شرق آسيوية، فكيف؟..
قالت.. بدون كيف.. حصل عليه وأصبحنا من مواطني دولة الإمارات.
مع العلم أنها تتحدث بعربية مكسرة، لأنها أصلاً من جنسية آسيوية هي الأخرى.
سؤال دار في ذهني رغبت في طرحه على المسؤول المخول: هل أجريتم مقابلة شخصية مع هذا الشخص الذي صار من مواطني دولة الإمارات العربية؟.. "العربية.." التي على الأقل لابد أن يتقنها حامل الجواز، كنت أحسب أن مثل هذه الشروط أساسية في منح جواز الدولة، ولا أعرف حتى الآن ما هو الأصل في تشريع المنح أو المنع.
ماذا سيتحدث أبناء هذا الرجل رغم صغر سنهم؟ لكنهم لا يعرفون الحديث إلا بلغة أجنبية حتى أشكالهم لا تمت لصحراء الدولة أو لبحرها أو حتى لسواحلها الممتدة من البحر إلى البحر.. تمنيت أن أكون وقتها في نوم كابوسي لا يصدق أن الأمر تحول إلى سهولة في منح وإعطاء إسم دولة مشرف ومشرق.
إذا كان التجنيس ضرورة ملحة لرأب صدع الخلل السكاني، فلماذا لا نذهب نحو التعريب.
لو كان في الأمر متسع لوضعت صورة هذا الرجل واسمه وتفاصيل قدومه للدولة لتصدقوا أن ما يحدث أكثر من المعقول وفوق ما يمكن احتماله.
قتلنا هذا الموضوع بحثاً وصراخاً وكتابة واستنكاراً وقلقاً ومرضاً.. ورغم هذا كأن كل شيء قبض ريح.. فراغ.. لا أحد على الضفة الأخرى يصيخ السمع لاستنجاد هذه الأرض وهذا الوطن.
وماذا بعد؟..
هل نتظاهر أم نعتصم.. أو نذهب لمحراب مسجد ونبتهل للباب الذي لا يغلق أبداً، لأن الحل صار سدىً.. والحاجة الملحة لحماية الوطن ليست بخافية على أحد، والتفسير -إن وجد- مطلوب. هذا المسؤول المخول ليس بوكيل عن شعب بأكمله، وهي ليست قضية ورقية بمجرد ما تستوفى يمنح الجواز بكل هذه المرونة، وهذه الحالة ليست الوحيدة، أو الغريبة، فما أكثرهم الذين لا علاقة لهم بهذه الدولة إلا من خلال وظائفهم لا أقل ولا أكثر، كأنها المفرخة الأهم للمال والفرص وللجواز أيضاً، الذي يمنح بموجبه حقوق المواطن الذي عاصر الشقاء والفقر والهجرة، ليجد أن فرصته تتضاءل لأن هناك من يعرف فجوات القوانين وقلة ضمائر البعض.
وليت الجواز يمنح -تجاوزاً- لعالم أو عبقري أو جهبذ يمكن استثمار جهوده لصالح الدولة.. أبداً ليس هذا من ضمن السباق إنما من ضمن القلق والكابوس الذي لا نعلم متى نصل إلى منتهاه.
لعلي.. أبارك لصديقتي ذات يوم لأنها ربما ستكون أفضل من آخرين ليست اللغة والهوية مشكلتهم فقط، إنما أبعد وأخطر من ذلك بكثير.
أبواب مشرعة للغبار والأذى..
وموصدة لحاجة أهل مسافي لماء وأهل أذن لمسجد وغيرهم من الذين أعياهم الانتظار وقضّ مضجعهم الفقر والحاجة.. وهم الأصدق حباً وانتماءً والأقل التفاتاً وفرصاً.
هو ثمن سندفع جميعاً ضرائبه.. وقت لا ينفع فيه الإنقاذ.. ولا حتى الدعاء.. والله أعلم.