الإرهاب هو النبت الشرعي للعنف، والعنف له امتداد في العمق التاريخي بداية بقتل أحد ابني آدم لأخيه، معللاً فعله بأن الله تقبل قربان أخيه ولم يتقبله منه! وهو منطق تبريري عجيب، إذ ما ذنب أخيه؟!
وهو نفس منطق من يقوم بالعمليات الإرهابية في الساحة العربية والدولية، يقتلون الأطفال والأبرياء ويضعون المتفجرات في المواصلات العامة للناس وينسفون الفنادق والمنتجعات السياحية ليقتلوا أكبر عدد من الناس ويقطعوا أرزاق الآلاف من البشر ثم يعللون فعلهم الأثيم بأنهم ينتقمون لكبرياء المسلمين الجريحة! ويثأرون من سياسات الغرب الظالمة في فلسطين والعراق وغيرهما!
نحن هنا لا نناقش المنطق الإرهابي الآثم في تعللاته وذرائعه وأهدافه، ولا حتى أسبابه، ولكننا في دهشة واستغراب تجاه المنطق الاسترضائي والتوظيفي للإرهاب، والذي ابتلي به جيش جرار من مدعي الوسطية والاعتدال اللذين أصبحا شعاراً رائجاً للعديد من المشايخ والكتّاب والصحفيين والسياسيين والإعلاميين. هؤلاء الذين يظنون أن الوسطية تعني اتخاذ موقف وسط بين إدانة الإرهاب وإدانة سياسات الغرب وأميركا، فهم يدينون ولكنهم يعللون ويبررون ويلتمسون شتى المعاذير للعمليات الإرهابية؛ فتفجيرات أميركا بسبب السياسة الأميركية المنحازة في المنطقة، وتفجيرات لندن بسبب مشاركتها لأميركا في غزو العراق، وتفجيرات شرم الشيخ بسبب سياسة السلام مع إسرائيل، وتفجيرات العراق بسبب الاحتلال الأميركي، والتفجيرات التي تحصل في الدول العربية بسبب خضوعها لأميركا.
هذا المنطق التبريري الذي يروّج له عبر الفضائيات والصحف هو "الإثم الأعظم" أو هو "الإفك الأكبر"، هل يُعقل من نخبة سياسية وفكرية ودينية -هم أملنا ورهاننا للعبور إلى مستقبل أفضل لنا ولأولادنا- أن تتجاهل أسباب العنف والإرهاب الكامنة بين أظهرنا لالتماس معاذير ومسوّغات لإرهابيي لندن والعراق وشرم الشيخ؟! هذا ما أسميه التوظيف السياسي والأيديولوجي للإرهاب، وهو أشد خطورة علينا من عمليات الإرهاب التي ستزول ولن تحقق أي هدف مهما اشتدت وغالت وأفسدت وأهلكت الحرث والنسل.
إن المتابع للظاهرة الإرهابية في البلاد العربية وتداعياتها يجد أن التوظيف السياسي والأيديولوجي للإرهاب يتخذ صورتين:
1- الاسترضاء "الأيديولوجي" للإرهاب بالتماس مبررات وذرائع ومعاذير: وهو أسلوب قديم مارسته تيارات الإسلام السياسي وبخاصة "الإخوان المسلمون" عندما اشتدت وطأة الجماعات الجهادية والتكفيرية في مصر، إذ التمسوا أعذاراً في قولهم إن الدولة لا تحكم بشرع الله، وإن المفاسد انتشرت والشيوعيين والعلمانيين استولوا على أجهزة الإعلام والتوجيه ومؤسسات الحكم، وقالوا إن عنف الجماعات الجهادية، رد فعل لعنف الدولة تجاههم وبخاصة تعذيبهم في السجون. ولكن الجديد الآن، أن هذا المنطق التبريري أصبح سائداً لدى نخب عديدة وتيارات أيديولوجية مختلفة، ولذلك نجد إدانتهم للإرهاب مصحوبة دائماً بـ"ولكن ذلك بسبب المظالم الأميركية في المنطقة". ويكفي لتهافت هذا المنطق أن نتساءل:
هل ينتهي العنف والإرهاب بحل قضيتي فلسطين والعراق؟ إذن ما تبرير قيام الخوارج القدامى بعملياتهم العنيفة؟ وهل المظالم الأميركية مقصورة علينا؟ ولماذا لا تلجأ الشعوب الأخرى المظلومة مثلنا إلى الإرهاب؟ إن منطق التبرير أصبح متنامياً لدى قطاعات عريضة مما دعا "هيومان رايتس ووتش" إلى أن تقول "إن قلقنا الأساسي ليس في الهجمات على المدنيين، بل في تنامي واتساع الرأي الشعبي المؤيد والصامت عن مثل هذا الاستهداف". الشعب العربي صامت ومتفرج أمام العمليات الإرهابية وضحاياها من المدنيين. ومن هنا أتفق مع د. باقر النجار -عالم الاجتماع المعروف- في قوله: "إني قد أتفهم بعض الأسباب السياسية والاجتماعية المشكلة للظاهرة، إلا أنه يبقى سبب رئيسي يتمثل في نمط وبناء ثقافة سياسية سمح لها أن تتشكل وتبرر أفعاله في المنطقة، ولربما سمح لها أن تتمكن من مفاصل العقل العربي".
إن تغييب العقل وتزييف الوعي هما الأخطر الآن، وهذا المنطق التدليلي للإرهاب ليس من مبتدعات التيار الإسلامي السياسي، فقد سبقه التيار "اليساري" في تبريره عنف الشيوعيين ضد النظم الرأسمالية، ثم استعاره الإسلاميون ووظفوه آيديولوجياً، ثم أتى التيار القومي، وانضم مؤخراً إلى جوقة المبررين لعمليات العنف بحجة أنها رد على المظالم الأميركية والأنظمة الحليفة لأميركا ونضال مطلوب.
2- الاسترضاء السياسي للإرهاب: وهو أسلوب تتبعه دول عديدة عربية وغربية، بريطانيا فتحت عاصمتها على مصراعيها مضيفة لرموز وزعماء الإرهاب، يسرحون ويعربدون كيفما شاءوا، وفرنسا في عهد "ميتران" في الثمانينيات، استضافت كبار الإرهابيين أمثال "كارلوس" و"أبونضال" بحجة أن علاج الإرهاب يكون بعلاج المظالم الناتجة عن السياسات الغربية، فتداعى إليها الإرهابيون من كل حدب ليجدوا ملاذاً آمناً في باريس، وكانت النتيجة كما يقول "أمير طاهري" تفجيرات إرهابية هزت باريس أسفرت عن مقتل (93) وجرح (800). باكستان استرضت الجماعات الم