بالعبارة الشهيرة "باي باي لندن" يمكن أن نلخص مستقبل العرب والمسلمين البريطانيين في بريطانيا وهي عبارة تنطبق بشكل أدق على المتشددين والمتطرفين من العرب والمسلمين ممن وجدوا في يوم من الأيام في ذلك البلد الأوروبي الديمقراطي مكانا آمنا لهم ولأسرهم، بل ولترويج أفكارهم –الهدامة في أغلب الأحيان- والتهجم من خلال ما تمنحه قوانين ذلك البلد للأفراد من حريات كبيرة على دول ورموز عربية سواء في الفكر أو السلطة في الدول العربية...
منذ أيام أعلن رئيس الوزراء البريطاني توني بلير عن إدخال قوانين وإجراءات جديدة لتمكين الحكومة من حظر الجماعات الإسلامية المتشددة وترحيل من تعتبرهم خطرين على أمن البلاد دون قيود من قوانين حقوق الإنسان.
بلير أعلن منذ أيام أن "قواعد اللعبة تغيرت" وأن حكومته عازمة على التخلص نهائياً من الأصوليين الأجانب ووضع حد لنشاط المتشددين من أبناء البلاد الذين لا يمكن طردهم إلى دولة أخرى. وقال إنه لن يتساهل مع من يستغل ضيافتها لنشر الكراهية وقتل الأبرياء. ولكن يبدو أن بلير قد تأخر كثيرا في إعلان تغير قواعد اللعبة وكان يفترض أن تتغير تلك القواعد قبل أن يتضرر البريطانيون من الإرهاب وقبل أن يدفع العرب والمسلمون البريطانيون الأبرياء والمسالمون ثمن ما اقترفته أيدي الإرهابيين وصار على ملايين العرب والمسلمين البريطانيين أن يدفعوا ثمن تأخر الحكومة البريطانية في التعامل مع الإرهابيين وأصحاب الفكر المتشدد والأيادي الملطخة بالدماء؟! ولكن وإن كان هذا القرار جاء متأخرا وكرد فعل مباشر على أحداث لندن في السابع من يوليو الماضي إلا أنه قد يساعد بريطانيا على الرؤية بشكل أوضح فيما يخص تلك الجماعات.
لقد قبلت بريطانيا وعلى مدى سنوات طويلة أن تستقبل المتشددين بل وفي وقت من الأوقات منحتهم رعايتها وفي كثير من الأوقات أساء الإعلام البريطاني -عن قصد أو دون قصد- للجالية العربية والإسلامية عندما كان يقوم بإبراز الرموز المتشددة من المسلمين مثل أبو حمزة المصري وغيره ممن يكفي شكلهم ومظهرهم كي يعطي صورة مرعبة عن الإسلام، وفي المقابل كان ذلك الإعلام يستبعد المعتدلين من المسلمين والمنسجمين مع المجتمع البريطاني من أبداء رأيهم وإيصال فكرتهم عبر الإعلام البريطاني.
وتميزت بريطانيا بأنها مليئة بالجماعات الإسلامية المتشددة منها والمعتدلة وإن كان أغلبها متشددا وفي مقدمة الجماعات التي قد تكون مستهدفة من القوانين الجديدة يأتي حزب التحرير الإسلامي المحظور في عدة دول، أما الجماعة الأكثر إثارة والتي خرجت من عباءة حزب التحرير عام 1996 فهي "المهاجرون" بالإضافة إلى منظمة "التجديد الإسلامي" لمحمد المسعري، الذي لجأ إلى بريطانيا مع لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية السعودية المعارضة، قبل أن ينشق عنه سعد الفقيه ويشكل حركة الإصلاح الإسلامي.. وهناك أيضا لجنة النصح والإصلاح التي تزعمها خالد الفواز، وتصفه أجهزة الأمن الغربية بأحد أهم ممثلي بن لادن في أوروبا.
أما الجماعات الأخرى، فمعظمها من شمال أفريقيا، ومن رموزها أبو دوحة أو د. حيدر الذي كان عضوا في "الجماعة السلفية للدعوة والقتال"، وعبد الله أنس وقمر الدين خربانه من "الجبهة الإسلامية للإنقاذ". أما الأشهر إعلاميا فهي "أنصار الشريعة" لزعيمها أبوحمزة المصري، الذي خرج من مصر إلى بريطانيا عام 1979 واسمه مصطفى كمال مصطفى. أما الشخصية الثانية الأكثر إثارة بعد أبو حمزة، فهو "أبو قتادة" أو عمر محمود عثمان، الأردني من أصل فلسطيني، الذي يعاونه عدد من أعضاء تنظيم "التكفير والهجرة" المصري المتشدد.
بعد الولايات المتحدة صارت بريطانيا مستعدة لتتخلى عن صفاتها الجميلة، وهي أنها تستقبل الجميع وتقبل الجميع، وصارت غير مبالية بأن تتحول كأي دولة شرق أوسطية مفتقدة للحريات الحقيقية. وقبلت بأن تكون مليئة بالقيود بحيث لا تختلف عن أي بلد في العالم الثالث يقيد الحريات ويمنع الأفكار وذلك لأنها ربما لم تنجح من البداية في فرز الأفكار التي وفدت إليها فقبلت الجيد منها ولم ترفض المخرب.
بريطانيا تتورط في قبول منطق الإرهاب، وما يريد أن يفعله بن لادن والظواهري من خلال أشرطتهما يحدث؛ فالعالم الغربي يعيش في رعب، والمسلمون والعرب في الغرب يُضيق عليهم. منذ أيام خرج علينا أيمن الظواهري بعد مرور شهر على أحداث السابع من يوليو كي يردد تهديدات سخيفة لا يمكن أن تصدر إلا عن رجل يعيش في جبال وكهوف بعيدة عن المكان والزمان، ويتجرأ ليخاطب العالم المتحضر والعالم المسالم بتلك العبارات والألفاظ المليئة بالتهديد والإرهاب، ويتوعد بمزيد من التدمير والتخريب، وهو لا يريد إلا أن يشعل هذا العالم حرباً ودماراً وناراً، ولا يكفيه كل ما حدث منذ تفجيرات نيويورك في 11 سبتمبر 2001 حتى اليوم. إنه منطق المنتحرين اليائسين من الحياة الذين يعتقدون أنهم أكثر الناس غيرة على أمتهم وأكثرهم حبا لدينهم وأكثرهم حرصاً على كرامة شعوبهم، وهم في الحقيقة ليسوا إلا مجموعة من المخربين الذين لا يعرفون مصلحتهم ولا