بعد أسبوع فقط من توليه الحكم، وفي أول جلسة لمجلس الوزراء الإثنين الماضي، أصدر الملك عبدالله بن عبدالعزيز أمره غير المشروط بالإفراج عن سجناء الإصلاح. بعبارة أخرى، استهل هذا الملك عهده بخطوة تجتمع فيها معانٍ سياسة وإنسانية. وهي تحمل في طياتها رسالة جميلة. السؤال: هل تعبر عن توجهات القيادة الجديدة؟ أم أنها خطوة لا تتجاوز في دلالتها بعدها الإنساني الواضح؟ تضيف هذه الخطوة الذكية إلى الأسئلة التي برزت مع قدوم العهد الجديد: ما هي التحديات التي يواجهها؟ وهل ستشهد السعودية أثناءه تغيرات وإصلاحات، بما في ذلك إصلاحات سياسية ؟ وكيف سيكون موقف الملك عبدالله من مواضيع ملحة مثل الإصلاح والإرهاب؟ هذه وغيرها أسئلة تتعلق بأفق التغيرات المتوقعة في العهد الجديد.
هناك من ذهب إلى أنه ليس هناك ما يبرر توقع تغيرات كبيرة في السعودية، وخاصة في موضوع الإصلاح. والسبب، كما يرى أصحاب هذا الرأي، أن الملك عبدالله عندما كان وليا للعهد كان الحاكم الفعلي للمملكة بسبب مرض الملك، واستمر في ذلك لما يقرب من عشر سنوات. ولو كان لديه نية في التغيير، أو قناعة بتبني سياسات جديدة لاتضح ذلك حينها. على العكس، يقول أصحاب هذا الرأي، بدا الأمير عبدالله وكأنه يريد أن يتماهى مع طبيعة المرحلة، وأن يكتفي بما تحقق فيها من إنجازات. وعليه ليس هناك ما يبرر رفع سقف التوقعات الآن بعد أن أصبح عبدالله هو الملك، وصاحب القرار الأخير في رسم سياسات الدولة الداخلية والخارجية. إن ما يمكن توقعه من تغيرات، حسب هذه الرؤية، لن يتجاوز التفاصيل، أو إصلاحات لا تضيف كثيرا إلى ما تحقق.
هذه رؤية منطقية تستند إلى أن الملك عبدالله كان شريكاً في اتخاذ القرار، وأن تجربته السابقة كولي للعهد وحاكم فعلي للبلاد لا تسمح بتوقعات تتجاوز كثيرا ما أفصحت عنه تلك التجربة. ومع ما للمنطق من وجاهة، إلا أنه لا يعكس دائما الواقع التاريخي الذي تتحدث عنه. ربما أن منطقية هذه الرؤية تتأتى من مرجعيتها السياسية، وهي مرجعية تتمثل في الدولة الحديثة بصيغتها الغربية، حيث تتحرك العملية السياسية فيها وفق آليات سياسية ورسمية متواضع عليها، مثل القواعد الدستورية، وآليات الرقابة، ومؤسسات وتوازنات سياسية، ومصالح معلنة، ...الخ.
هذه المرجعية السياسيه لا تتفق تماما مع النظام السياسي السعودي، كنظام ملكي عربي تقليدي، ليس لأنه يفتقد آليات للرقابة، أو للتوازنات السياسية. هذا النظام يتوفر فيه كل ذلك لكن بصيغة مختلفة، لأن له مرجعية سياسية مختلفة، وإرثاً سياسياً مختلفاً. وقد أغفل أصحاب الرؤية غير المتفائلة مجموعة من العوامل ربما كانت أكثر من غيرها المسؤولة عن طبيعة ولاية العهد في النظام السعودي، وحدود الدور المنوط بولي العهد فيه. وبالتالي فإن ما انتهت إليه تجربة ولي العهد الأمير عبدالله قد لا تعكس بالضرورة قناعاته وطموحاته بقدر ما تعكس طبيعة الدور الذي اضطلع به، والحدود التي تفرضها الأنظمة والتقاليد والتوازنات السياسية لنظام الحكم السعودي.
أهم تلك الحدود ذو طبيعة دستورية. فالمادة الخامسة من النظام الأساسي للحكم تنص على أمرين: الأول أن الملك هو الذي يختار ولي العهد ويعفيه بأمر ملكي، والثاني أن "يكون ولي العهد متفرغا لولاية العهد، وما يكلفه به الملك من أعمال". مما يعني أن ولي العهد لا يملك حق المبادرة إلا في حالة واحدة، وهي حصوله على تفويض رسمي من الملك. وهذا لم يحصل. الحد الثاني كان مرض الملك رحمه الله الذي أدخل الدولة في حالة انتقال وانتظار. كان هناك أولا أمل بشفاء الملك وبعودته إلى ممارسة سلطاته بشكل طبيعي. ثانيا لا تسمح تقاليد الحكم السعودي بتجاوز سلطات الملك، أو التعامل معها بما قد يوحي بشيء من ذلك، حتى في حالة مرضه، حفاظا على هيبة الملك واحترامه. وكان هناك إجماع على الالتزام بهذا طالما أن الملك لا يزال على قيد الحياة. ربما أن الأمر يحتاج إلى تفصيلات وتقييدات دستورية الآن، لكن واقع الأمر آنذاك كان كذلك. وهذا تقليد راسخ بدأ منذ أيام المؤسس الملك عبدالعزيز. بعبارة أخرى، كان ولي العهد في تلك الفترة مقيداً بقيدين: قيد دستوري، وقيد تقاليد الحكم الموروثة منذ تأسيس الدولة.
لم يكن من المقبول سياسياً في هذا الإطار أن يتخذ ولي العهد أية خطوة أساسية، أو يقدم على مبادرة سياسية، خاصة فيما يتعلق بالسياسة الداخلية، قد توحي بتجاوز سلطات الملك. كان من الممكن اتخاذ هذه الخطوة أو تلك المبادرة باسم الملك. لكن بما أن الملك كان يعاني من المرض، فإن مثل هذه الخطوة تتطلب تفويضا رسميا، وهو ما كانت كل الأطراف تحاول تجنبه حفاظا على مركز الملك. كل ذلك يشير إلى أن ما يقال عن أن ولي العهد، الأمير عبدالله، كان الحاكم الفعلي للبلاد أثناء مرض الملك فهد هو صحيح في مجمله، إلا أنه غير دقيق في تفاصيله، وفي ما بني عليه من استنتاجات.
كان الأمير عبدالله الحاكم الفعلي بالتوافق واستجابة للظروف، لكن ليس بتفويض رسمي. كما أن الأمير عبدالله وقتها كان جزءاً أساسياً من مؤسسة ال