أشعلت جنازة العقيد جون قرنق، وهي يطاف بها في عدد من مدن الجنوب، مشاعر السكان في ذلك الجزء من السودان الذي اعتقد قطاع واسع من شعبه، واهماً أو محقاً في ذلك، أن حرب الاثنين وعشرين عاماً التي طحنته بعنف وخلفت جراحاً ما زال بعضها ينزف، قد انطوت صفحتها الأخيرة مع عودة قرنق "المظفرة" إلى الخرطوم أواسط الشهر الماضي، حيث كرس ذلك الحدث بداية حقبة جديدة للتعايش والوئام الوطنيين! فهل خليفة قرنق الذي شغل موقعه على رأس "الحركة الشعبية لتحرير السودان"، وفي منصب النائب الأول لرئيس الجمهورية، قادر على إقناع الجنوبيين بالاستمرار في نهج السلام والمصالحة مع باقي أهل السودان؟ أعتقد أن الكثير من المعطيات المتوافرة حالياً يشكك في قدرة كير على الإمساك بدفة الأمور وتسييرها بالكفاءة ذاتها التي كانت لسلفه "قرنق". فرغم أنهما ينتميان إلى قبيلة "أثنية" واحدة هي صاحبة الثقل السكاني في الجنوب، وأنهما قضيا فترة طويلة من رفقة السلاح والعمل القيادي معاً على رأس الحركة، فإن كير يفتقد إلى الكثير من المواهب القيادية التي يتمتع بها قرنق، لذلك لا يتوقع أن يكون قادراً على التأثير في النزعات الانفصالية التي يعج بها الوسط الجنوبي، خاصة في أجواء المرحلة الحالية وما تصطبغ به من حزن أدى ببعضهم إلى اتهام الخرطوم بالوقوف وراء مصرع قرنق. ويضاف إلى ذلك أن كير نفسه لم يكن في يوم من الأيام من ذوي الميول الوحدوية، وذلك ما تحاول بعض الدوائر الغربية تنميته ليصبح أجندة نهائية للحركة الشعبية في مرحلتها الحالية.
عثمان الصادق- الخرطوم