بصفتي سفيرا سابقا لأميركا للشؤون السياسية الخاصة لدى الأمم المتحدة، فإنني حضرت عدداً لا حصر له من الاجتماعات التي عقدتها المجموعة المسماة بمجموعة العمل غير المحددة المدة المختصة ببحث مسألة إصلاح مجلس الأمن. وكان الشغل الشاغل لتلك المجموعة دائما هو تلك المسألة المهمة والشائكة سياسيا الخاصة بتوسيع عضوية مجلس الأمن الحالية (15 دولة)، وبشكل يعكس حقائق الواقع المعاصر الذي يختلف تمام الاختلاف عما كان عليه الأمر عام 1945 عندما تم إنشاء الأمم المتحدة بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها. ومن المعروف أن الأعضاء الخمسة دائمي العضوية في مجلس الأمن يمثلون الدول التي خرجت منتصرة من تلك الحرب وهي: الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا، وفرنسا، وروسيا، والصين (وجميعها تمتلك حق النقض "الفيتو"). ومن المعروف كذلك أن باقي دول العالم تتناوب على شغل المقاعد العشرة غير الدائمة للمجلس.
وجهود إصلاح المجلس التي كانت قد بدأت منذ عقد من الزمان تقريبا لا زالت مستمرة حتى الآن. وكما قالت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة "مادلين أولبرايت" ذات مرة:"ليس هناك من موضوع خاص بالأمم المتحدة حظي بدراسة مكثفة وبذل فيه مجهود ضخم دون أن يظهر لهذا المجهود سوى أثر ضئيل، مثل موضوع توسيع عضوية مجلس الأمن". ولم يقتصر الأمر على أولبرايت، بل إن البعض قد اقترح على سبيل التهكم تغيير اسم المجموعة التي أعمل بها من مجموعة العمل مفتوحة النهايات لبحث إصلاح مجلس الأمن، إلى "مجموعة العمل الذي لا ينتهي أبدا لإصلاح مجلس الأمن".
ولكن الذي حدث مؤخرا مع ذلك هو أن هناك نافذة صغيرة للفرص قد فتحت أمام التغيير، وهي نافذة يجب على الأمم المتحدة أن تعمل على استغلالها. وإذا لم تفعل المنظمة الدولية ذلك فإن شرعية مجلس الأمن، وفاعليته بالتالي، سوف تصبح معرضة للخطر كما يذهب إلى ذلك الكثير من المراقبين. ونافذة الفرص هذه فُتحت في شهر مارس الماضي، عندما دعا السكرتير العام للأمم المتحدة كوفي عنان إلى إجراء عملية تجديد شامل للأمم المتحدة، بشكل يمكنها من مواجهة التهديدات والتحديات الخاصة بالقرن الحادي والعشرين. ولقد أوضح عنان بشكل لا يقبل اللبس في هذا الصدد، أن أي خطة سيتم تبنيها في هذا الشأن سوف تظل قاصرة طالما لم يتم إصلاح مجلس الأمن ذاته، والذي يفتقر - كما قال "إلى الشرعية في أعين دول العالم النامي" . وليس هذا رأي عنان وحده وإنما هو رأي غيره أيضا. فقد عبرت مجلة الإيكونوميست عن هذا الرأي بشكل صريح حينما قالت:"إن مجلس الأمن خاضع لسيطرة الدول البيضاء الغنية".
ويريد عنان إعادة هيكلة مجلس الأمن بحيث يصبح أكثر تمثيلا للدول الأعضاء في الأمم المتحدة والبالغ عددها 191 دولة في الوقت الراهن (كان عدد هذه الدول 51 فقط عام 1945). وقد اقترح عنان في هذا الصدد طريقتين لزيادة عدد أعضاء المجلس من 15 إلى 24 دولة. الطريقة الأولى وهي التي تحظى بقبول أكثر من الطريقة الأخرى، وتتمثل في إنشاء ستة مقاعد جديدة دائمة وثلاثة غير دائمة. أما الطريقة الثانية فتتضمن إنشاء تسعة مقاعد غير دائمة جديدة. وعنان يرغب في أن يتم اتخاذ قرار في هذا الشأن قبل حلول شهر سبتمبر القادم، وهو الشهر الذي سيجتمع فيه قادة دول العالم في نيويورك .
والدول الأربع الرئيسية المرشحة لشغل المقاعد الدائمة لمجلس الأمن هي اليابان، وألمانيا والهند والبرازيل. والدول الأربع هذه - كما تشير كافة الدلائل والمؤشرات- سوف تكون من اللاعبين الرئيسيين في القرن الحادي والعشرين، كما أنها دول تتماشى دون أدنى شك مع المعايير المحددة من قبل الأمم المتحدة، فهي جميعا دول ديمقراطية قوية تتمتع بوضع اقتصادي قوى، وعدد سكان كبير، كما أنها تقدم مساهمات ضخمة للأمم المتحدة تفوق بكثير تلك التي تقدمها غيرها.
وقد قامت إدارة بوش بتقديم خطتها الخاصة في هذا الصدد (توسيع مجلس الأمن) وهي خطة لا تفتح - لسوء الحظ- الباب أمام الدول الأربع الطامحة في شغل عضوية مجلس الأمن، كما أنها لا تتيح فرصاً لتمثيل أوسع لمناطق العالم الأخرى، على العكس من الخطتين اللتين قدمهما عنان.
وخطة إدارة بوش تقل في طموحها عن خطة عنان حيث تجعل الدول المقترحة للانضمام سواء كأعضاء دائمين أو غير دائمين 20 دولة فقط، بدلا من 24 دولة، كما أنها خطة تدعو لانضمام عضوين دائمين فقط أحدهما ألمانيا والثاني من دول العالم النامي، وثلاث دول غير دائمة. وبقيامها بذلك فإنه يمكن القول إن إدارة بوش قد تراجعت عن الدعم الطويل الأمد الذي كانت تقدمه الولايات المتحدة لانضمام ألمانيا إلى مجلس الأمن. لذلك ليس هناك ما يدعو للاستغراب، عندما نعرف أن الكثيرين ينظرون إلى هذا الموقف على أنه رد فعل للموقف الألماني المعارض للحرب التي شنتها أميركا على العراق. علاوة على ذلك لم تتخذ الإدارة الأميركية موقفا ملتزما بدعم الهند والبرازيل، على الرغم من أن الهند وبعد جيل واحد من الآن سوف تصبح هي أكثر دول العالم من حيث تعداد السكان، وعلى الرغم من أن