السؤال الذي يتكرر كثيرا على ألسنة العديد من المحللين عند تفسيرهم لظاهرة تنامي الفكر المتطرف الذي يولد الإرهاب هو: لماذا نما هذا الفكر واستشرى ولجأ إلى أسلوب العنف والإرهاب والقتل العشوائي؟.. أما السؤال الغائب عن أذهان الكثيرين عند تحليلهم لهذه الظاهرة فهو: ماذا يريد هذا الفكر من اللجوء إلى الإرهاب والتدمير والتخريب وسفك الدماء؟
الفئة الأولى تجيب على السؤال الذي يبدأ ب"لماذا" قائلين أن ظاهرة التطرف والعنف والإرهاب، نمت نتيجة للسياسات الخاطئة للكثير من الأنظمة السياسية العربية والإسلامية.. تلك السياسات التي أوجدت الفقر والأمية والتخلف والبطالة، وسحقت حقوق الإنسان والحريات وأدت إلى اختفاء العدالة الاجتماعية..
وقد يحمل هذا التفسير قدرا ضئيلا من الصواب، ولكنه ليس كل الصواب، بل هو جزء يسير جدا منه. فلو أن الفقر والبطالة وغياب العدالة الاجتماعية كانت مدعاة للمتضررين باللجوء إلى العنف والإرهاب وسفك الدماء، لكانت نصف سكان أفريقيا إرهابيين.. ولو أن غياب العدالة الاجتماعية والحريات وحقوق الإنسان هي السبب لنمو الإرهابيين وأصحاب الفكر المتطرف، لكانت ثلاثة أرباع المجتمعات في أميركا اللاتينية مفرخة للإرهابيين والانتحاريين والإرهابيين..
غياب الحريات والديموقراطيات والحقوق الإنسان، ليس سببا لنمو الفكر المتطرف الذي يؤدي إلى ظهور وتنامي ظاهرة الإرهاب.. كما أن الفقر والبطالة والظلم الاجتماعي، ليست أسبابا تخلق الإرهاب والإرهابيين.. هناك أسباب أخرى يجب البحث عنها لهذا البلاء العظيم الذي ابتليت بها المجتمعات الإسلامية دونا عن غيرها من المجتمعات..
فالفكر المتطرف الذي خلق الإرهاب، ليس وليد اليوم، بل هو فكر ترعرع ونما منذ بدايات القرن الماضي.. ولو أننا تتبعنا البدايات الأولى لظهور قادة الفكر المتطرف الذي يتخذ من الإسلام ستارا لتحقيق مآرب خبيثة، ولو أننا أخذنا مصر كمثال لنمو هذا الفكر، لوجدنا أن قادة التطرف كانوا على الدوام يتحالفون من النظام، ثم ينقضون تحالفهم ويغدرون بمن تحالفوا معه، بل يطعنونه في الظهر.. حدث ذ لك مع الزعيم المصري جمال عبدالناصر حين انقلب عليه "الإخوان المسلمون"، ثم حدث مع الرئيس الراحل أنور السادات الذي تحالف معهم في بداية الأمر ثم انقلبوا عليه، بل سفكوا دمه!
التنظيمات التكفيرية التي تتخذ من الإرهاب مسلكا لتحقيق مآربها، ظهرت مع ظهور" جماعة التكفير والهجرة"، التي هي من ذيول التنظيمات التي ترتدي عباءة الإسلام، وعلى رأسها تفرعات ما يسمى بتنظيم "الإخوان المسلمين".. وأول عمل إرهابي بارز ارتكبته تلك الجماعة هي اغتيال وزير الأوقاف المصري في السبعينات الشيخ "محمد الذهبي".. ثم استمروا في ارتكاب أعمال إرهابية في مصر إلى أن انتهت باغتيال السادات، حيث بدأ فصل جديد من الصراع بين التنظيمات الإرهابية المتطرفة والحكم في مصر..
لقد كشفت تلك التنظيمات عن وجوهها القبيحة، حين أعلنتها على ألسنة العديد من قادتها في أكثر من مناسبة، أن الهدف من اللجوء إلى الإرهاب والقتل والتخريب والتدمير، هو إسقاط أنظمة الحكم في البلدان الإسلامية، بغية إقامة نظام إسلامي، أو إقامة ما أطلقوا عليها "دولة الخلافة الإسلامية"!!.. ولم يكن غريبا على تلك التنظيمات اللجوء إلى تكفير الآخرين وتكفير من ليس معهم، وإلغاء أي فكر يختلف معهم، أو لا يتوافق مع مسلكهم الإجرامي.. فهم حرموا تعليم النساء، ومنحهم حق العمل وقيادة السيارة وحرموا التعامل مع الدول غير الإسلامية، واعتبروا كل من ليس معهم خارجا على الدين والملة، بل اعتبروا نجسا ورجسا من عمل الشيطان!