أصبحت قضية التنمية من القضايا الرئيسية في الواقع والفكر العالمي ابتداءً من النصف الثاني من القرن العشرين وذلك نتيجة لما طرأ على المجتمع العالمي من تغيرات نتيجة الحرب العالمية الثانية، فمن هنا بدأ اشتعال القضايا كقضية التنمية، وقضية الثقافة، والعولمة، وأخيراً الإرهاب بأنواعه·
إن الاهتمام بجوانب الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية بحد ذاتها يعتبر طريق الوصول إلى التنمية من ناحية، ومن ناحية أخرى أصبحت الثقافة من أهم موجهات التنمية لذلك لابد من وجود ما يسمى بالوعي الثقافي الذي يعتبر مفتاح التنمية التي لابد أن نعاملها كنسقٍ له عملياته ووسائله ذات دلائل امبريقية ونظرية من أجل تحسين مستوى حياة الفرد من كافة نواحيها·
وتأتي المشاركة الإيجابية بجانب الوعي الثقافي التي تتطلبها التنمية عن طريق السلطات المسؤولة والرعية من أجل تحقيق الأمن والاستقرار للفرد والمجتمع والدولة· فصانع التنمية لابد أن يكون لديه وعي ثقافي مدرك بماهية التنمية وكيفية التعامل معها من خلال وضع أهداف وخطط موضوعية سليمة بهدف الوصول إلى الغاية المنشودة التي تعمل على ارتقاء العقل البشري الذي يساهم بدوره في ارتقاء وتقدم البلاد بكافة مناحي الحياة المختلفة·
ومن هنا يتضح دور العنصر البشري في عملية التنمية وتفاعله مع الطبيعة، وأن التغيير الذي تتعرض له عملية التنمية هو تغيير الإنسان نفسه في عاداته وقيمه وعلاقاته مع البيئة الاجتماعية التي يعيشها، فلابد أن يكون هذا التغيير على أسس سليمة لا أن يفرض على الفرد، لأن التغيير بالقوة لا يؤدي إلى تحقيق أي هدف من أهداف التنمية في ظل غيبة الوعي والإرادة·
ومن ناحية أخرى، فبالرغم من وجود المؤسسات والبرامج التنموية في قطاعات الدولة إلا أن الوضع غير مرضٍ، وذلك أولاً، لقلة هذه المؤسسات والأنشطة التنموية في أنحاء الدولة، وثانياً، العاملين الأغلبية في قطاعات التنمية المختلفة ليسوا متخصصين بهذا الجانب أو عدم وجود الخبرة الكافية في هذا المجال· والعامل الأخير الذي يعتبر من أخطر عوامل التنمية، هو فقدان ما يسمى بالسياسة الاجتماعية المخططة للتنمية من خلال الإدارة التي تشغل هذا القطاع·
ومن هنا نشأت الحاجة الماسة إلى سياسات واستراتيجيات تنظر إلى التنمية على أنها عملية متكاملة ذات أبعاد مختلفة، ومعنى هذا أن وضع سياسة إنمائية هو مستوى من مستويات التفكير والوعي الثقافي والاجتماعي سواء، والخطوة الأولى التي نسعى إليها لتحقيق الهدف وهي الانتقال من حالة التخلف النسبي التي تعاني منها بعض المجتمعات في الدولة إلى حالة التقدم والرفاهية التي تسعى إليها كل دولة·
حياة حسن الحوسني-باحثة اجتماعية