عندما لمّح عضو الكونجرس الأميركي توم تانكريدو بأنه من الممكن أن تتعرض مكة إلى القصف ردا على أي هجمات إرهابية، فإنه يكون بذلك التصريح غير المسؤول قد جعل من العالم مكانا أقل أمنا وأكثر خطرا من ذي قبل. والمفارقة أن هذا العضو في الكونجرس يتقاسم الكثير من النقاط المشتركة مع هؤلاء الذين إما ينطقون بالحماقات أو يقومون بأعمال الشر التي تهدد أمننا جميعا. وقبل أن أُتهم بأنني أقيم توازنا أخلاقيا بين الإرهابيين الذين ينفذون الهجمات والسياسيين الذين سيتعرضون العضلات دعوني أكون واضحا منذ البداية وأقول إنني أعرف الفرق جيدا. فأنا أعترف بأن السوء الذي أحدثته هجمات 11 سبتمبر في أميركا هو أكثر وحشية من الافتراءات التي أطلقها بوش وبلير لشن الحرب على العراق.
بيد أنه من الخطأ إنكار العلاقة القائمة بين من يقومون بالأعمال الشريرة ومن ينطقون بالحماقات لأنهم يغذون بعضهم بعضاً بالحقد والكراهية. فهما يقومان معا باستغلال شعور الخوف والغضب عند الناس ويساهمان في تأجيجهما أكثر. وهما معا ينطلقان من مسلمات مطلقة وشعور بالتفوق الأخلاقي والقيمي. وللتأكد من ذلك انظروا إلى التعليق الذي أدلى به تانكريدو في حوار إذاعي فبعدما سأله المذيع عن رد فعل أميركا إذا ما تم استهداف مدنها بهجمات إرهابية رد عليه قائلا "حسنا، لنقل مثلا إنه لو حدث شيء من هذا القبيل في الولايات المتحدة وثبت أنه صادر عن متشددين وأصوليين مسلمين فإنه يمكننا أن نضرب مثلا أماكنهم المقدسة" فاستوضح المذيع أكثر "هل تقصد قصف مكة" عندها رد تانكريدو مجيبا: "نعم، بالتأكيد".
وفي الأسبوع الماضي عندما أتيحت لي الفرصة لأناقش تانكريدو على قناة سي.إن.إن ذهلت لإصراره الشديد على ما جاء في تعليقه. غير أنني دهشت أكثر لاعتقاده بأن تلك الأقوال ستؤدي إلى ردع الإرهابيين وتجعلهم يفكرون جيدا قبل الإقدام على مهاجمة أميركا، متناسيا الأضرار الفادحة التي يلحقها تعليقه ببلدنا. وعندما نبهته بأن كلامه، بصفته عضواً في الكونجرس الأميركي، يحمل معاني خطيرة وأن صداه قد تردد في العالم كله بدا وكأن الأمر قد راق له. أما عندما ذكرته بأن وزارة الخارجية أصدرت بيانا تشجب فيه كلامه حيث جاء على لسان الناطق باسم الحكومة الأميركية "تعتبر تلك الملاحظات... مهينة لنا جميعا ومنافية للأخلاق. لذا فإنني أشدد نيابة عن الحكومة الأميركية بأننا نحترم الدين الإسلامي ونحترم أماكنه المقدسة" فقد عبر عن رفضه لهذا البيان واحتقر ما جاء فيه. وأخيرا عندما أخبرته بعدم وجود أي منطق أو مسوغ أخلاقي بتهديده أكثر الأماكن حرمة عند مليار مسلم في العالم رد بأن ما أقوله هو ضرب من "المثالية السياسية".
إن تانكريدو وككل الديماغوجيين في العالم يمارس التمثيل. فهو في سعيه المحموم وراء الناخبين مستعد للتفوه بأي شيء مهما بلغت درجة حماقته، خصوصا وهو يطمح لترشيح نفسه للرئاسة. وهو كأي يميني متطرف يسعى للعب على مشاعر الخوف والغضب عند الناس من أجل خلق قاعدة قوية تحمله إلى البيت الأبيض. غير أن ما تلقيته من رسائل على بريدي الإلكتروني يؤكد لي أن الناخبين الأميركيين حتما لن يمنحوه فرصة الزج بهم في صراعات خطرة. ويكمن الخطر الحقيقي لأقوال تانكريدو فيما أحدثته من صدى في العالمين العربي والإسلامي، وفي مشاعر الخوف والكراهية التي تسهم في تكريسها لدى المسلمين، ناهيك طبعا عما تشكله هذه الجعجعة الكلامية من فرصة جديدة للإرهابيين أينما كانوا لتعبئة الأنصار وشحذ الأسلحة ثم توجيهها إلى صدورنا.