المشاركة الشعبية الكبيرة والحضور الأفريقي والعربي والدولي في تشييع الزعيم جون قرنق النائب الأول للرئيس السوداني إلى مثواه الأخير في جوبا التي اختارها الفقيد عاصمة للجنوب يحمل دلالات مهمة تؤكد أولا على الإجماع الدولي على شخصية الرجل الغائب الحاضر في السودان من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه والتقدير الإقليمي والدولي لهذه الشخصية وجهودها المخلصة لإحلال السلام الممكن بعد أكثر من 50 عاما من الحرب والدمار وسفك الدماء الذي كلف هذا البلد الكثير وأخذ من ثرواته البشرية والمادية وأثر على مسيرته التنموية والحضارية·
رحل جون قرنق قبل أن يكمل المسيرة ولكنه وضع الأساس المتين مع الحكومة السودانية في اتفاق نيفاشا الذي أثمر اتفاق السلام الذي يعيشه السودان اليوم ويسير أولى خطواته نحو بناء وطن يستوعب الجميع ويحقق آمال وطموحات الشعب السوداني في العيش المستقر والأمن وتعويض ما فات من سنوات الحرب والدمار التي عاشها على مدى نصف القرن الماضي، ولا شك أن هذه المسيرة التي يباركها الشعب السوداني ويؤيدها المجتمع الدولي ستواصل خطواتها وبنجاح خصوصا وأن اتفاقية السلام عبرت عن طموحات الشعب السوداني من الشمال إلى الجنوب وطي صفحة الماضي والتطلع إلى المستقبل لبناء السودان الجديد سودان السلام والنماء والاستقرار·
ردة الفعل الأولى للشارع السوداني عقب مقتل جون قرنق وما تلاها من مصادمات واشتباكات لا تعبر بالتأكيد عن القناعات السودانية الرسمية والشعبية الحريصة على تعزيز مسيرة السلام والوصول بها إلى منتهاها خصوصا وأن الشارع السوداني عاد الى طبيعته في الأيام الماضية، وجنازة قرنق يوم أمس وحدت الشعب السوداني على طريق السلام والأمن والتعهدات التي أطلقها الرئيس السوداني عمر حسن البشير ونائبه سلفا كير يوم أمس عقب تشييع جون قرنق الى مثواه الأخير تؤكد الحرص الرسمي على مسيرة السلام، وأن حمل السلاح والحوار بالبندقية لن يعودا إلى السودان من جديد بين شمالها وجنوبها· ويعزز من ذلك الإشارات المهمة التي أطلقتها الحركة الشعبية والتي أكدت الحرص على الاستمرار في إنجاز اتفاق السلام· لا شك أن السودان بهذا الإنجاز التاريخي يدخل مرحلة جديدة تؤكد على طي صفحة الماضي بكل آلامها وفتح صفحة جديدة يملؤها الأمل في مستقبل مشرق لجميع أبناء السودان·