عندما قرأت الخبر, ومصدره وكالة أنباء "رويترز" ذهلت. بعدها قرأت مقالاً للكاتب الأميركي "ماكس بوت" في صحيفة الـ"لوس انجلوس تايمز" يحمل نفس المعنى.
القصة أنه في الزمن الذي "يعافر" فيه البشر "لإعدام" كل ما له علاقة بكلمة "النووي" ونفيها الى حيث لا تعود بالضرر على بني آدم والحيوان والكائنات التي تشاطرنا العيش على هذا الكوكب, أظهر استطلاع للرأي قام به معهد "جالوب" المتخصص بالاستطلاعات, أنه بعد مرور 60 عاماً على إلقاء الولايات المتحدة قنبلتين ذريتين على مدينتي هيروشيما ونجازاكي اليابانيتين واللتين انتهت بهما الحرب العالمية الثانية, يبدو أن معظم الأميركيين يؤيدون قرار استخدام هذه القنابل ضد اليابان.
وفي الخبر إن الدكتور "روبيرت جلبيير" وهو طبيب أسنان من فلوريدا ومؤرخ هاو للحرب العالمية الثانية, يقول إن الخسائر التي منيت بها اليابان أمر يدعو للأسف, ولكن لا بد من تقييمها في ضوء البديل, وهو القيام بغزو دام لهذا البلد(اليابان)... مضيفاً: كان ترومان مسؤولا عن إنقاذ مئات الآلاف أو حتى الملايين من أرواح كل اليابانيين والأميركيين. اليابانيون كانوا متعصبين وكانوا سيقاتلون حتى آخر رجل.
أما " ماكس بوت" فقال في مقاله: لا أرى أن ضرب اليابان بالقنابل النووية كان ذلك الحدث الذي يجب الاعتذار عنه والتأسف عليه. اللوم الأساسي والذنب الكبير لا بد أن يتحمله "محور الشيطان". أما أنا فأرفض أن أشارك في الانغماس بـ"حفلة اللوم" الذي أصبح تجارة نامية في التاريخ الحربي.
استطلاع معهد جالوب شمل 1010 عينات عشوائية وأجري على التليفون, وكانت نتيجته أن 57% من الأميركيين وافقوا على قصف هيروشيما ونجازاكي بالقنابل الذرية, فيما رفض 38% هذا التصرف. أحد المستطلعين تساءل: لو لم يقم ترومان بإسقاط تلك الفنبلة, كم كان سيكون عدد الأميركيين الذين سيقتلون في غزونا لليابان؟ نحن لا نحب الحرب ولكن في ساعة الحسم عليك أن تفعل ما ينبغي عليك فعله.
قنبلة اليورانيوم التي قصفت بها هيروشيما بلغ وزنها 4500 كيلوجرام وأدت الى قتل 78 ألف شخص فوراً وإلى موت 140 ألفا آخرين مع نهاية عام 1945. ماذا يعني ما سبق؟
يعني أنه في حال زادت خسائر الأميركيين في العراق, وتهددت مصالح الدولة العظمى فإن قنبلة ذرية "استباقية" تصيب إيران والعراق, تكون فكرة مقبولة لدى 60% من الأميركيين؟.
يعني أنه يمكن تصنيف هذا التفكير في خانة الإرهاب؟, إذ أن اليابانيين الذين قتلوا- وبعضهم ما زال يعاني حتى الآن من التبعات- لم يكونوا جنوداً بل كانوا في معظمهم من المدنيين, وبينهم أطفال ونساء وشيوخ.
يعني أن أي ملة أو شعب سيعكر صفو الشعب الأميركي قد تتم إعادة تربيته وترويضه بقنبلة نووية وسيكون ذلك مقبولاً إن لم يكن مطلوباً- حسب النظام الديمقراطي-؟. ويا ليتنا نتحدث هنا عن الإدارة الأميركية, البلاء الأكبر أن السؤال طرح على أميركيين عاديين...والتأييد جاء منهم.
إن مثل هذا التفكير, يبرر لكل من يملك السلاح النووي أن يستعمله بنفس المنطق الذي استعمله به ترومان. وبنفس المنطق الذي برر به 60% من الأميركيين صواب قرار ترومان في قتل أكثر من نصف مليون روح بلمح البصر.
يعني أنه لو قررت إسرائيل غداً قصف غزة بقنبلة نووية في حال بدأت انتفاضة ثالثة, فإن أميركا ستصفق. ولكن ماذا لو قررت إيران قصف إسرائيل "استباقا" بـ"قنيبلة"-تصغير قنبلة- نووية, هل سيسمح لأحد بالتصفيق؟
لماذا لا يزال العالم أجمع يدفع ثمن "الهولوكست", فيما ترفض أميركا حتى اللحظة الاعتراف والاعتذار عن مجزرة ومحرقة هيروشيما؟