تثبت الأحداث الأخيرة في القطر الموريتاني مرة أخرى، أن القوة لا يمكن أن تكون الوسيلة للاحتفاظ بالسلطة، إلا بالقدر الذي تصبح فيه أيضاً وسيلة لاستعادتها! فقد حاول الرئيس المخلوع معاوية ولد الطايع تثبيت نفسه في الحكم طوال 21 عاماً من خلال سياسات وأساليب لم تحظ بأي قدر من القبول في الداخل، بينما سوق نفسه للخارج كحارس للحداثة والعصرنة والنظام الديمقراطي في موريتانيا.
والحقيقة أن السياسة الاستبدادية لولد الطايع التي دعمها بشراء الولاءات وتعميم الفساد، ورهن إرادة الناس ومصالحها وأرزاقها باستمرار وجوده في السلطة لم يحقق من ورائها استقراراً لحكمه طوال السنوات الـ14 الماضية إلى تثبته داخلياً بالاعتماد على علاقاته الخارجية، وفي ذلك السبيل قرر أن يضع كل أوراقه في السلة الأميركية والإسرائيلية ولم يتقاعس عن كل ما تتطلبه تلك العلاقة، فأظهر تحدياً للاجماع العربي الرسمي حول رفضه زيادة التمثيل الدبلوماسي بين الدولة العبرية والدول العربية المطبعة، وأمعن في تحدي الرأي العام الداخلي مستخدماً كل وسائل البطش والتنكيل بخصومه السياسيين تحت حجج وذرائع واهية.
وقد أشغل ولد الطايع مواطنيه خلال 21 عاماً بمسرحيات لا أول لها ولا آخر، بدءاً بترقية المرأة التي زاد تخلفها وحرمانها، ومروراً بحملات محو الأمية التي أصبحت بازاراً أساسياً رخيصاً يتنافس فيه أعضاء الحزب الحاكم على ممارسة أكبر قدر من الخداع والتمثيل في سباق لا ينتج إلا مزيداً من الجهل والطاعة العمياء، وانتهاءً بالحرب على الإرهاب التي كانت الفصل الأخير في قصة باتت عنواناً للبؤس الأخلاقي والمادي والعدمية واللامعنى!
فهل يتعظ الحكام الجدد في موريتانيا بمصير سلفهم الذي فعل بسلفه ما فعلوا هم به، وإن كان يمكن أن يترك له ذكراً طيباً في شعبه لو نظر إليهم ذات مرة كـ"قطيع بشري" يستحق قليلاً من الاحترام.
نادر المؤيد - أبوظبي