بعد انهيار دكتاتورية صدام في التاسع من أبريل عام 2003، استبشرنا خيراً بعصر جديد يُعطي للمواطنة العراقية حقها الطبيعي والمشروع في الحياة. لكن نشهد اليوم بدايات لدكتاتورية جديدة باسم الأغلبية، تريد أن تفرض توصياتها وقراراتها ومشاريعها وبرامجها من خلال الأغلبية البرلمانية في الجمعية الوطنية العراقية، والتي من المفترض أن يحترم كل رأي فيها، حتى لو كان هذا الرأي لشخص واحد، لأنه منتخب وبالتالي يمثل من انتخبه من العراقيين.
محاولة تمرير القرارات والبيانات، دون إعطائها الوقت الكافي للدراسة والمناقشة ستؤدي حتما إلى تمزيق وتفتيت العملية السياسية بكاملها والعودة إلى الوراء مرة ثانية، وهذا ما حدث في الحادي والثلاثين من يوليو عام 2005، حيث تقدمت قائمة "الائتلاف العراقي الموحد" ببيان حول قانون الانتخابات القادمة، وينص هذا البيان، على جعل العراق دوائر إنتخابية متعددة، بدلا من الآلية الانتخابية التي مورست في الانتخابات الماضية، في الثلاثين من يناير الماضي، التي أُجريت على أساس نظام الدائرة الانتخابية الواحدة. كل الكتل النيابية، ما عدا قائمة "الإئتلاف العراقي الموحد"، طالبت بتأجيل البت بهذه القضية إلى ما بعد يومين من أجل دراستها ومناقشتها، لأنها من القضايا المهمة التي تحتاج للمزيد من الوقت، ولكن قائمة "الائتلاف العراقي الموحد" أصرت على إجراء عملية التصويت في اليوم نفسه، وهذا مما أدى إلى إاسحاب كل الكتل النيابية الأخرى من قاعة الجمعية الوطنية العراقية. وفي اليوم التالي جرى التصويت بحضور 139 عضوا حيث وافق 137 عضوا، وسط مقاطعة باقي أعضاء الجمعية الوطنية العراقية من القوائم الأخرى، وتمت الموافقة على هذا البيان حتى دون الرجوع ثانية إلى الكتل النيابية المقاطعة، للتشاور معها من أجل الخروج بصيغة توافقية تخدم العملية السياسية وتحافظ عليها وتطورها!
هذه الحالة ستقود إلى فرض المواقف على الآخرين بقوة الأغلبية التصويتية، دون مراعاة تمثيل المكونات الإثنية والدينية والسياسية في العراق، التي لا تتمركز في مساحة جغرافية معينة، بل إنها منتشرة في عموم العراق كله، فلذلك يعتبر نظام الدائرة الانتخابية الواحدة، هو النظام الانتخابي الأفضل والأعدل للعراق، ويضمن مشاركة جميع مكونات المجتمع العراقي المختلفة والمتعددة.
أما نظام الدوائر الانتخابية المتعددة، فهو يؤدي إلى غياب الكثير من مكونات المجتمع الدينية والمذهبية والقومية والسياسية إضافة لكونه يكرس الطائفية ويرسخها، ويساعد على ظهور سيطرة كتلة معينة على الآخرين، وهنا تبرز بوادر الممارسات الدكتاتورية بمسميات مختلفة، من أجل الاستحواذ على السلطة باسم التوجهات الديمقراطية، التي تسمح في بعض الأحيان بعودة الدكتاتورية لكن بشكل آخر.
حمزة الشمخي- كاتب عراقي