لم يكن دخول "بول جي. آلن" إلى عالم الفضاء بالأمر الهين على ما يذكر، حيث يقول مسترجعا ذكريات طفولته "لقد قمنا مرة أنا وابن عمي بانتزاع رجل أحد الكراسي المصنوع من الألمنيوم وحاولنا أن نجعل منه صاروخا". ويحكي "بول آلن" الذي سيصبح مليونيرا فيما بعد كيف كان يجمع مواد الزنك والكبريت ليضعها في خرطوم ثم يشرع في إطلاق الصاروخ. ورغم أن الصيغة الكيماوية كانت صحيحة، إلا أنه أغفل درجة ذوبان الألمنيوم الشيء الذي أدى إلى إجهاض محاولته الأولى في إطلاق الصاروخ.
ومنذ ذلك الحين بدأت الصواريخ في التحسن، كما بدأت تتخذ حجما أكبر من سابقاتها ليتحول آلن، أحد مؤسسي شركة مايكروسوفت، بعد ذلك إلى صاحب "سبيس شيب وان" وهو الصاروخ الصغير الحجم الذي فاز بعشرة ملايين دولار في مسابقة "أنسار إكس برايز" السنة الماضية، وخصوصا أنه كان أول صاروخ يمول من جهة خاصة ويستطيع التحليق في الفضاء على بعد 70 ميلا تقريبا. وللعلم لم يكن السيد آلن هو من وضع التصميمات, فتلك أمور من اختصاص "بورت روتان" المهندس الأسطوري الذي يبدو بشاربه الكث ونظراته الحادة كأحد الصقور المحلقة، كما أنه لم يكن أحد الطيارين الذين قاموا بتجريب الصاروخ. بيد أن السيد آلن هو ذلك الشخص الذي بدونه لا يمكن القيام بشيء. إنه الشخص الذي يوقع الشيكات، وكباقي الرجال الأغنياء يقوم بتوظيف الماهرين والمتفوقين من المهندسين والتقنيين.
وقد جعلت منه تجربة إطلاق "سبيس شيب وان" أحد أشهر الأثرياء المنضوين إلى نادي أغنياء التكنولوجيا المتطورة الذي يضم مؤسس موقع "أمازون" جيف بيزوس بالإضافة إلى آخرين. وقد وجد هؤلاء الأغنياء أنفسهم يملكون ما يكفي من الأموال لتحقيق أحلام طفولتهم الخاصة بالفضاء. ويقول بهذا الصدد ريك توملينسون أحد مؤسسي "مؤسسة حدود الفضاء" التي تسعى لفتح الأجواء أمام الجمهور "إن الاستثمار في الفضاء أضحى رمزا في حد ذاته" وحسب رأيه " الكل يتوق إلى امتلاك صاروخ خاص به". ويؤكد العديد من هواة الاستثمار في الفضاء إن من شأن قيام رجال أعمال مثل "ريتشارد برانسون" بالاستثمار, أن يفتح المجال أمام من يستطيع الدفع لكي يرى الفضاء الخارجي. وقد أدت هذه الفورة في الاستثمارات الخاصة في مجال الفضاء إلى سحب البساط من المشاريع المشابهة التي كانت تمولها الحكومة الأميركية.
ومن بين المستثمرين الأغنياء الذين اقتحموا ميدان الفضاء السيد بيزوس الذي أسس لهذا الغرض شركة خاصة تدعى "بلو أورجين" في ولاية واشنطن. وقد أعلن أنه قام بشراء خلال هذه السنة 165 ألف هكتار من الأراضي في تكساس الغربية لتكون قاعدة انطلاق لصواريخه المتجهة إلى الفضاء. ونفس الشيء بالنسبة لإيلون موسك مؤسس "بي بال" الذي قام بإنشاء ”سبيس إكس" الشركة المتخصصة في الصواريخ. ويقول بيتر دايماندس إن ظهور رجال أعمال مستعدين للاستثمار في المشاريع الفضائية يعد نقطة تحول حقيقية. فحسب قوله "يوجد حاليا ما يكفي من الأشخاص الأثرياء ليبدأوا مشاريع جدية في مجال الفضاء". والأكثر من ذلك كما يؤكد دايماندس أن هذه اللحظة التاريخية التي تشهد تزايد المشاريع الفضائية تأتي في وقت أحس فيه الناس بالإحباط جراء عدم تحقق تلك الأحلام التي كانت تراود الكثيرين في السفر إلى الفضاء. فالتكلفة كانت عالية جدا, الشيء الذي قضى على تلك الأحلام.
أما بالنسبة لآلن صاحب "سبيس شيب وان" فلم تكن مسألة الاستثمار في المشاريع الفضائية مجرد نزوة عابرة بل كانت تعبيرا عن شغف شديد بالعلوم والتكنولوجيا امتد طيلة حياته، كما كان نتيجة رغبته في دفع علم الهندسة إلى أعلى مستوياته. وهو ما يزال يذكر الإثارة التي كانت تخلفها في الستينيات عملية إطلاق صواريخ "أبولو" أو "جيميني" مما جعله يتشبث أكثر بحلمه في أن يطلق هو الآخر صاروخه الخاص. ولقد ساعده في ذلك أن والده كان أمين المكتبة العامة فراح يلتهم الكتب المتصلة بالفضاء ويجيب عن كافة الأسئلة العالقة في ذهنه. وحتى عندما أنشأ شركة مايكروسوفت مع بيل جيتس لم تخب بداخله الرغبة في ارتياد عالم الفضاء. وكما يقول بنفسه "كانت دائما توجد في نفسي رغبة ملحة للقيام بشيء ما لتحقيق حلمي القديم بإطلاق صاروخ في الفضاء". وقد كان لشركة "مايكروسوفت" التي جعلته أحد أثرياء العالم دور كبير في مده بالمال للاستثمار في مشاريعه الخاصة على نحو مريح.
وفي الماضي كانت تنحصر عملية إطلاق الصواريخ على بعض الهواة الذين يجتمعون في نهاية كل أسبوع مما يجعل الأمر يبدو أكثر كإطلاق الألعاب النارية. لكن مع تطور التقنيات الحديثة خصوصا في مجال الحاسبات الآلية, أصبح من السهل وضع تصميمات على الكمبيوتر وتنفيذها في الواقع. غير أن السيد توملينسون أحد خبراء الفضاء يقول "ربما قد لا يستقطب برنامج الفضاء الأميركي الكثير من الاهتمام، لكنه يختلف مع تجارب الهواة. فالأمر أكثر جدية من تلبية أحلام الجمهور. إنه يتعلق بسباق دولي في السيطرة على الفضاء".
وفي نفس السياق يقول خبراء وكالة الفضاء الأميركية إن مسألة الوصول إلى الفضاء ع