مؤلف هذا الكتاب هو الدكتور بول إل. ويليامز, أستاذ الدراسات والعلوم الإنسانية بجامعة "سكرانتون", إلى جانب كونه صحفياً ومستشاراً سياسياً في مجال مكافحة الإرهاب. ويأتي هذا الكتاب بمثابة الإصدار الثاني له عن الإرهاب الدولي, بعد كتابه الأول ذائع الصيت "انتقام أسامة بن لادن: هجمات الحادي عشر من سبتمبر التالية". وإذا كان الكتاب الأول قد تناول بوجه عام, المخاطر الأمنية التي ينطوي عليها استمرار نشاط تنظيم القاعدة, وقدرته على إعادة رص وتنظيم صفوفه إثر تدمير معاقله, فإن مادة الكتاب الأخير الذي نعرضه اليوم, تختلف اختلافاً كبيراً, بالنظر إلى منحاها التخصصي الضيق, الذي يتناول جانباً واحداً فحسب, من جوانب هذا الخطر الأمني. إلى أي مدى تقدم تنظيم القاعدة باتجاه تنفيذ هجمات جديدة أكثر فتكاً ودماراً بأسلحة الدمار الشامل -خاصة السلاح النووي- داخل الولايات المتحدة الأميركية؟
يسعى المؤلف للإجابة على هذا السؤال من خلال الأدلة والمعلومات التي جمعها وحللها عن تنظيم القاعدة والعلاقات الدولية الواسعة التي أنشأها ولا يزال, مع العديد من شبكات وتنظيمات الإرهاب والجريمة المنظمة الدولية. وتشمل تلك العلاقات, الصلة التي أقامها التنظيم, مع "منظمة المافيا" التي تعمل من قاعدتها الرئيسية في جزيرة صقلية. والخطر الذي نبه إليه الكاتب من هذه العلاقة بالذات, أن "منظمة المافيا" تعد من التنظيمات التي تنفق على الإرهاب بسخاء, عبر تسويق مخدرات الهيرويين رقم 4, علماً بأن هذا النوع من المخدرات, هو من بين تلك المسموح بتعاطيها علناً في عدد من الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية. ليس ذلك فحسب, بل يبين الكاتب كيف استطاع تنظيم القاعدة, الحصول على بعض المواد والأسلحة النووية الروسية, من خلال علاقاته بمنظمة "المافيا الشيشانية" التي ارتبط اسمها بمأساة مدرسة بيسلان سيئة الذكر. وبين الكاتب كيف استطاع تنظيم القاعدة, الحصول على ما يتطلع إليه من أسلحة نووية, من المواقع النووية ضعيفة الحراسة والإجراءات الأمنية في روسيا.
وربما تكون المعلومات التي كشف عنها المؤلف لأول مرة, عن العلاقات التي بناها وطورها تنظيم القاعدة خلال الأعوام القليلة الماضية مع إحدى عصابات جرائم الشوارع في السلفادور, أكثر المعلومات إثارة للقلق والانزعاج على الإطلاق بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية على الأقل. يذكر أن هذه العصابة تطلق على نفسها تسمية "مارا سلفاتروشا" وأنها وسعت من شبكتها ونفوذها وعملياتها, حتى أصبحت تغطي مناطق لا يستهان بها من الولايات المتحدة الأميركية. والأشد خطورة أنها استطاعت أن تسرب كميات كبيرة من أسلحة الدمار الشامل والمواد الخطيرة, إلى داخل الولايات المتحدة, عبر حدودها المشتركة مع المكسيك, مقابل الأموال الضخمة التي تتلقاها من التنظيمات والجماعات الراغبة في مثل هذه المواد والأسلحة, ومنها بل في مقدمتها تنظيم القاعدة.
ينفرد الكتاب بشرح طبيعة الصلة الوثيقة التي تجمع بين الجريمة الدولية المنظمة, والإرهاب الدولي. وقد مكنت هذه الصلة من إنشاء فرع قوي لتنظيم القاعدة في منطقة أميركا اللاتينية, يتمتع بدرجة عالية من الكفاءة والتنظيم, إلى جانب الموارد المالية الكبيرة المتوفرة له, لتمكينه من تنفيذ عملياته وتهريب نشاطه, إلى مساحات واسعة داخل الولايات المتحدة. وقال الكاتب إنه إذا ما كانت هذه "الخلايا النائمة" للتنظيم لا تزال في مرحلة النوم والسبات الموسمي, فإنه حتماً سيأتي اليوم الذي تستيقظ فيه من سباتها, لتضرب ضربتها القاضية, وبأسلحة الدمار الشامل هذه المرة. ومن رأي الكاتب أن أسامة بن لادن قد أصبح اليوم, قاب قوسين أو أدنى, من تحقيق مشروعه الإرهابي, الذي نذر له نفسه وحياته كلها: أي أن يحيل بلاد "الشيطان الأكبر" إلى "هيروشيما أميركية" ومجزرة جماعية, يلقى فيها ملايين الأميركيين حتفهم في ثوان معدودات.
وعلى الرغم من الجهود الكبيرة التي يبذلها الخبراء والمختصون في مجال مكافحة الإرهاب, من أجل تفادي وقوع كارثة كهذه, إلا أن مسؤولي الأمن والخبراء العسكريين, لا يستبعدون احتمال تعرض الولايات المتحدة لهجمات بأسلحة الدمار الشامل -خاصة السلاح النووي- وخلال فترة زمنية ليست بالبعيدة من اليوم. ومما يرجح قرب هذا اليوم, تنامي موجة الغضب العالمي على الولايات المتحدة الأميركية, ووجود المئات بل الآلاف من الشباب المتحمسين للثأر والنيل من أميركا, عقاباً لها على سياساتها إزاء العالمين العربي والإسلامي. إلى ذلك تساعد تنظيمات إرهابية ناقمة على الولايات المتحدة -مثل تنظيم القاعدة- حقيقة توفر أسلحة الدمار الشامل والمواد النووية, في عدد من الدول التي يمكن شراء هذه المواد والأسلحة منها بأثمان باهظة مغرية, إلى جانب الضعف الذي يلازم تأمين وحماية مواقع الأسلحة والمواد المذكورة في دول أخرى مثل روسيا وباكستان.
ومع الضعف الأمني والاستخباراتي الذي لازم رصد وكشف وتعقب قيادات وعناصر تنظيم القاعدة, يبقى هذا الأخير حراً طليقا