إن التاريخ السياسي لمدينة السينما العالمية الأميركية "هوليوود"، خضع حتى الآن لسيطرة تيار لا ينقطع من الأفلام والمذكرات، التي تنتقد ما يعرف بكابوس" الفزع من اللون الأحمر" أو كابوس الفزع من الشيوعية. أما الكتاب الذي نقوم بمراجعته هنا وعنوانه:" النجمة الحمراء فوق هوليوود: غرام مستعمرة الأفلام الطويل باليسار" لمؤلفيه رونالد رادوش، واليس رادوش، فيحاول أن يثبت أن الدراما الحقيقية في هوليوود، هي تلك المرتبطة بقصص نجوم السينما، والمخرجين، وكتاب السيناريو والحوار، الذين انضموا إلى الحزب الشيوعي في الولايات المتحدة، وجعلوا من هذا الحزب محورا لحياتهم السياسية والاجتماعية. يقول المؤلفان إن محاولات الحزب الشيوعي الأميركي المستمرة للتأثير على أفكار وتوجهات صناع الأفلام، قد أسفرت عن تحقيق نجاحات عديدة، كان منها على سبيل المثال لا الحصر إخراج الفيلم الشهير الذي أثار ضجة كبيرة في حينه وهو " مهمة في موسكو", الذي حاول تبرير المحاكمات المجحفة، التي قام بها الزعيم السوفيتي الديكتاتور جوزيف ستالين، في نطاق حملته التي أطلق عليها اسم" حملة تطهير الحزب والدولة من الخونة والمارقين والمتقاعسين وناقصي الثورية".
وفي سبيل توفير المادة الكافية لكتابهما، استخدم المؤلفان الأوراق الخاصة لشخصيات فنية معروفة كما قاما أيضا باستخدام الملف الذي كان الـ" إف. بي.آي" يحتفظ به لهوليوود، والذي احتوى على تفاصيل وقائع جلسات اللجنة سيئة الصيت المعروفة بـ"لجنة الأنشطة الأميركية" التابعة لمجلس النواب الأميركي، وهي اللجنة التي كانت مختصة خلال السنوات من 1947 إلى 1954 بمراجعة سيناريوهات جميع الأفلام التي سيتم عرضها في أميركا، للتأكد من أنها لا تحمل دعاية للشيوعية. تابع المؤلفان تطور الحزب الشيوعي الأميركي بدءاً من حقبة الثلاثينيات في القرن الماضي، مع التركيز بشكل خاص على قيام الكثيرين من المثقفين وكبار الشخصيات الأميركية، بجولات في الاتحاد السوفيتي للاطلاع على التجربة الشيوعية، وكيف أن عددا كبيرا منهم عاد إلى الولايات المتحدة معتنقا للفكر اليساري.
ركز المؤلفان على فترة الخمسينيات, التي أخضع فيها العديدون من أعضاء الحزب الشيوعي الأميركي للتحقيقات وللمساءلة، بسبب الاتهامات التي وجهت إليهم بالولاء لدولة أجنبية. وأكثر الاكتشافات التي ضمنها المؤلفان كتابهما إثارة للجدل ذلك الاكتشاف المتعلق بأنه خلال التحقيقات التي أجرتها لجنة مجلس النواب للتحقيق في الأنشطة الخارجية، فإن "الحمر" الموجودين في هوليوود، كانوا يعانون من نوع من أنواع تضارب الولاء بين بلدهم وبين الحزب الشيوعي، الذي زاد من حدته أن خط الحزب كان متغيرا على الدوام، ولا يثبت على حال واحد لفترة طويلة.
وقد بدت هذه البلبلة الفكرية واضحة في مواقفهم الشاذة والغريبة أمام لجنة التحقيقات المشار إليها، مما أدى إلى انقلاب الكثيرين من حلفائهم الليبراليين التقليديين ضدهم، كما أدى إلى تركهم مكشوفين أمام لجنة السيناتور جوزيف مكارثي، الذي كان اسمه قد أصبح مرادفا للعداء السافر للشيوعية في ذلك الوقت. ويقول المؤلفان في هذه النقطة، إنه بينما كان مكارثي مخطئا في فهم الكثير من التفاصيل، إلا أنه كان على حق في إدراك التأثير الشيوعي على الليبراليين، وما كان يمثله ذلك التأثير من خطر داهم على الفكر الرأسمالي الأميركي. أما الانتقادات التي يوجهها المؤلفان لمكارثي، فهي أنه قد أعاد إلى الأذهان صور محاكم التفتيش التي روعت المبدعين والمفكرين في أوروبا في القرن التاسع عشر. يقول المؤلفان أيضا إن الكثير من هؤلاء الليبراليين قد تم في النهاية إدراج أسمائهم في القائمة السوداء، و حرمانهم من ممارسة أي نشاط ثقافي أو فني. من الحالات التي استشهدا بها كنموذج على ذلك، حالة الممثل المعروف في ذلك الوقت " جون جارفيلد" الذي استخدم العديد من الأساليب الملتوية للهروب من القائمة السوداء، مع مواصلة العمل في نفس الوقت في الأفلام الهوليودية، حتى يضمن الحصول على دعم من استديوهات هوليوود من ناحية، ومن اليسار الهوليودي، من ناحية أخرى.
من أمثلة تلك الأساليب تظاهره بالإيمان بمبادئ التيار المناوئ للشيوعية، بل ومحاولته المزايدة على مواقف ذلك التيار، وتجنبه ذكر أسماء زملائه القدامى من الراديكاليين في التحقيقات، متظاهرا بأنه لم يكن يعرف شيئا عن توجهاتهم، وأنهم قد استغلوا سذاجته وضحالته الفكرية. وعلى الرغم من محاولاته الدائبة في هذا الاتجاه، فإن موقفه لم يقنع أحداً، وهو ما أدى في النهاية إلى تحطم أعصابه، وإرهاق قلبه، ووفاته في النهاية بنوبة قلبية مفاجئة. اعتمد المؤلفان من أجل توفير مادة كافية للكتاب على إجراء مقابلات مكثفة، وخصوصا مع كبار الكتاب, مما أدى إلى حصولهما على كم كبير من المعلومات عن خلايا الحزب، ومجموعات النقاش، التي كان لها الأثر الأكبر في صياغة أفكار التيار الراديكالي في هوليوود. ولا ينسى المؤلفان إدراج قصتهما الشخصية في الكتاب واصفين لنا كيف أن الطريقة التي