حدوث الوفاة في عالمنا العربي والإسلامي هي مناسبة تعبير عن الحزن وتقديم التعازي، ولكن مسؤولية الكاتب والمحلل أن يتعدى هذه اللحظة ويحاول - ولو مؤقتاً - استخلاص مغزى الحدث - حاضراً ومستقبلاً. وسأركز على ثلاثة أسباب رئيسية تشرح أهمية وفاة الملك فهد، وهذا الاهتمام الإعلامي العالمي بها: وهذه الأسباب الثلاثة ترجع إلى, أولاً: أهمية الدولة نفسها التي كان يرأسها. ثم , ثانياً: أهمية الملك فهد وفترة حكمه في سياق عالمي وإقليمي مليء بالأحداث المهمة. ثم, ثالثاً: مستقبل الحكم مع الملك عبدالله.
لا يحتاج القارئ العربي إلى تفاصيل كثيرة عن هذا البلد، مهد الإسلام والذي يأوي المدينة المنورة ومكة المكرمة - أكثر المدن الإسلامية قداسة - بالنسبة لأكثر من بليون مسلم، يشكلون حوالي خُمس سكان العالم. المملكة العربية السعودية لا تمثل مكة الإسلام فحسب، ولكنها أكبر مُصدر للبترول، وكذلك تأتي في المرتبة الأولى من حيث كمية الاحتياطي العالمي لمصدر الطاقة هذا. ومن هنا أهمية المملكة في المنظمات الدولية، وعلى رأسها منظمة "أوبك". باختصار شديد.
حتى قبل أن يصبح ملكاً في سنة 1982، كان فهد يعتبر من رجال المملكة الأقوياء، بسبب اندماجه في العمل السياسي منذ فترة طويلة وفي وزارات حساسة. فمثلاً تولى وزارة التعليم وكان موضوع تعليم الفتيات في نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات يثير الخلافات القوية، وأيد فهد تعليم الفتيات. وفي سنة 1962 تولى وزارة الداخلية ولمدة 13 سنة، وهو كما نعرف منصب حساس للغاية في أي بلد في العالم، فما بالك بالسعودية التي تمر بفترة تغيير وغليان شبه مستمر؟ وأنشأ قوات الأمن الخاصة لتحقيق نوع من التوازن مع القوات المسلحة برئاسة شقيقه الأمير سلطان, والحرس الوطني برئاسة أخيه الأمير عبدالله. ولا شك أن مهارته في لعبة التوازنات الداخلية نجحت بحيث أصبح في سنة 1975 ولياً للعهد عقب اغتيال الملك فيصل، ثم ملكاً في سنة 1982 ليستمر بشدة في تحويل المملكة من "صحراء" إلى دولة معاصرة.
ولكن فترة حكم فهد كانت فترة صعبة أيضاً، مليئة بالأزمات وبالتالي استحالة عدم اتخاذ القرارات الخطيرة لمواجهتها. فهناك دعم العراق ضد إيران في حرب الخليج الأولى 1981 - 1988 والتي كلفت الملايين من أجل كبح جماح تصدير الثورة إلى دول الخليج. ثم هناك تقلبات أسعار البترول وازدياد الدين العام والبطالة، وبالتالي أهمية اتخاذ قرار "السعودة". ثم هناك غزو الكويت والقرار الصعب بقبول رُبع مليون عسكري أميركي وغربي على مقربة من الأماكن المقدسة، ثم الإسهام بحوالى 50 مليار دولار في هذه الحرب. ثم هناك بالطبع جماعة بن لادن وهجوم 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة من جانب مجموعة غالبيتها العظمى من السعوديين (15 من 19 فرداً قاموا بهذا الهجوم الانتحاري)، ثم تداعيات هذا الهجوم وممارسة الضغوط الدولية من أجل الإصلاح.
من المؤكد أن ضمان الاستقرار في الحالة التي تمر بها المملكة هو من أهم التحديات. في 12 مايو سنة 2003 قتلت الانفجارات في مجمعات سكنية يقطنها أجانب 35 شخصاً، وكانت هذه الهجمات بمثابة 11 سبتمبر السعودي. ولكن الهجمات استمرت - حتى بعد مقتل عبدالعزيز المقرن - رجل القاعدة في السعودية.
نقطتان يجب التأكيد عليهما في هذه العجالة:
أ - مبايعة عبدالله ملكاً ما هي إلا تغيير شكلي فقط، لأنه يدير المملكة فعلياً منذ منتصف التسعينيات.
ب - ما يجب أن نتابعه ونحلله هو التوازنات الجديدة أو ما يمكن أن يطلق عليه, مرحلة "ما بعد فهد". ومن هنا أهمية تنصيب الأمير سلطان رسمياً ولياً للعهد.
فإذا كان أخوال الملك عبدالله من قبائل شمر القوية، فإن أخوال الأمير سلطان عائلة السديري، وهو ذو تاريخ سياسي طويل منذ أن كان أميراً للرياض في سنة 1947 وحتى توليه وزارة الدفاع والطيران المدني - هذا المنصب الحساس - منذ سنة 1963.
هذا التوازن, المطلوب قد يكون تحضيراً للجيل الجديد... أمثال سعود الفيصل وزير الخارجية، أو بندر بن سلطان الذي استقال أخيراً من منصبه كسفير للمملكة في واشنطن لأكثر من عشرين سنة.