في توقيت شديد الحساسية جاء مقتل نائب الرئيس السوداني جون قرنق، فيما كان السودان يتجه نحو مرحلة جديدة من تاريخه وكله أمل في أن يعم السلام والاستقرار، ووسط تطلعات إلى غد أفضل، سياسيا واقتصاديا وأمنيا·
لقد مر السودان بسنوات عصيبة للغاية على مدى عقدين أو أكثر بسبب الحرب الأهلية التي راح ضحيتها الآلاف من الأبرياء من مختلف الأطراف· وكانت الخسائر الاقتصادية فادحة ولا يمكن تقديرها بثمن، بحيث أن السلام صار حلما يداعب خيال الجميع ·
ومع ذلك لم يكن الطريق إليه هينا، فمسيرة السلام التي شارك قرنق نفسه في قيادتها، كانت صعبة وعسيرة ومليئة بالمنحنيات والعقبات، ولم يتسن الوصول إلى تحقيق الحلم، إلا بعد مشقة كبيرة ورحلة طويلة مجهدة·
لذلك لا نعتقد أنه من السهل أبدا التضحية بكل ذلك مجانا وبسهولة شديدة بسبب بعض الظنون والشكوك التي قد يرى محللون أنها من الطبيعي أن تراود أذهان البعض في مثل تلك الظروف·
وللأسف سارع شبان جنوبيون في لحظة حزن عاصف وغضب حاد إلى ارتكاب أعمال عنف وشغب، سقط العشرات ضحية لها، في ردود فعل أبعد ما تكون عن المنطق والتعقل·
لقد كان المنتظر أن يلتف الجنوبيون حول قيادتهم الجديدة بدرجة أكبر من الوعي وأن يعملوا على استكمال مسيرة السلام في هدوء وبدون صخب أو ضجيج لاستكمال ما بدأه قرنق·
وكان الأجدر بمن اندفعوا إلى الشوارع للقيام بأعمال حرق وقتل وتخريب، أن يتريثوا في ردود فعلهم إزاء هذا التطور الدرامي المفاجئ، لأنه لا مصلحة لأحد على الإطلاق في مقتل قرنق، اللهم إلا أعداء السودان وهم للأسف كثر·
والبديل للاتفاقيات المبرمة بين الشمال والجنوب هو العودة إلى المربع صفر، أي استئناف أجواء الحرب الأهلية مرة أخرى وأعمال القتل والتخريب· ومن شأن ذلك أن يتسبب في دمار هائل وعام وشامل لا يقبل به أحد أبدا وليس بالطبع في مصلحة أحد من السودانيين·
إن شمال السودان وجنوبه يواجهان الآن على أرض الواقع تحديا خطيرا يفترض أن تخرج منه البلاد أكثر قوة وصمودا في وجه التطورات الجارية·
وللأسف الشديد يمكن تفسير المظاهرات وأعمال الشغب التي وقعت خلال الفترة الماضية بأن أجواء عدم الثقة مازالت هي السائدة وهو ما يثير القلق على مستقبل السودان،لكن تجاوز ذلك يستلزم بالطبع جهد كل مخلص من أبناء السودان لسد الذرائع وأبواب الفتنة والعودة إلى العقل والحكمة من أجل مصالح الشعب والبلد·
صحيح أن رحيل رجل بقامة قرنق خسارة فادحة بكل المقاييس، لكن ما هو أفدح من ذلك أن ينحرف السودان عن المسيرة السلمية ، ولاشك في أن أبناء السودان يدركون جيدا المخاطر التي تحيط بهم في هذه المرحلة وسيعملون بلا شك من أجل عبور المحنة بما يتطلبه ذلك من جهد وتفان وتفاهم ورغبة مخلصة في غد أفضل·