كنت أفكر مؤخرا في ترشيح نفسي لأحد المناصب العليا وذلك بالتركيز على برنامج واحد لا غير: سأتعهد للناخبين أنهم لو صوتوا لي ستضاهي خدمات الهاتف الجوال في أميركا خلال الأربع سنوات المقبلة خدمات غانا. وإذا ما أعيد انتخابي مرة أخرى فإنني أعد بأن تصبح خدمات الهاتف الجوال خلال الثماني سنوات القادمة بنفس جودة ما تقدمه اليابان، لكن شريطة ألا تقرر اليابان المضي في تطوير التكنولوجيا اللاسلكية لأن ذلك بالطبع سيكون فوق طاقتنا. أما شعار الحملة الانتخابية الذي سأكتبه في الملصقات فسيكون: "هل تسمعني الآن؟".
لقد بدأت أفكر في هذا البرنامج الانتخابي بعدما شاهدت كيف يستعمل اليابانيون الإنترنت عبر هواتفهم الجوالة وأجهزة الحاسب الآلي المحمولة حتى وهم يستقلون قطاراتهم فائقة السرعة أو يتصلون من داخل أنفاق القطارات تحت الأرض. غير أن النقطة التي أفاضت الكأس كانت عندما انقطعت خدمة الهاتف الجوال خلال زيارة قمت بها إلى مقر شركة "أي.بي.إم" في نيويورك.
ولكن لا تقلقوا فالكونجرس منكب على الأمر. لقد ترك وراءه كل شيء في الأسبوع الماضي ليمرر قانونا يروم حماية صانعي الأسلحة من الدعاوى القضائية التي يرفعها ضدهم ضحايا إطلاق الرصاص. أما تقهقر الولايات المتحدة إلى المرتبة 16 في العالم في مجال ربط الاتصال فذلك أمر لم يستثر أحداً. وأرجو ألا تعتقدوا أنني مغرم بالهواتف الجوالة أو الأجهزة الإلكترونية فالأمر أكثر من ذلك. إن العالم يتحرك اليوم ليصبح قاعدة تعتمد فيها التجارة والتعليم والابتكار والترفيه على الإنترنت. كما أن الثروة والإنتاجية تنتقل إلى تلك الدول والشركات التي تضمن لموظفيها ومبدعيها وطلبتها وعمالها الربط بتلك القاعدة بواسطة الكمبيوتر والهواتف والأجهزة الرقمية الأخرى.
بيد أن هناك جيلاً جديداً من السياسيين بدأ يهتم بمسألة ربط الاتصال بالإنترنت حيث قام مؤخرا "أندرو راسيج" وهو أحد المرشحين في نيويورك لشغل منصب محلي بطرح برنامجه الذي يدعو إلى الربط اللاسلكي لكل منزل ومدرسة وشركة في المدينة بخدمة الإنترنت والهاتف الجوال. والفكرة ممتازة لأنه لو ظل الوضع بهذا السوء ووقعت هجمات في مترو نيويورك -لا قدر الله- مشابهة لما حدث في لندن فلا تحاول الاتصال بالشرطة لأن هاتفك سيتعطل تحت الأرض. فأنت لست في اليابان حيث الربط اللاسلكي. ولتوضيح صعوبة الاتصال بالشرطة تحت الأنفاق قام السيد "راسيج" بإحضار مساعدين وضعهما في مكانين مختلفين داخل مترو الأنفاق وجعلهما يتصلان مع بعضهما بعضاً باستعمال علبتي قصدير مربوطتين بحبل ثم قام أحد المساعدين بالتواصل مع "راسيج" الذي ظل واقفا بالخارج وعندها اتصل بالشرطة عبر هاتفه النقال. ولكم أن تتصوروا الطريقة البدائية التي لجأ إليها للاتصال بالشرطة لتتبينوا خطورة الوضع.
ويطمح "راسيج" في أن تصبح نيويورك مثل فيلادلفيا حيث قررت تلك المدينة عدم انتظار الشركات الخاصة لتزويدها بالربط اللاسلكي، بل تولت المدينة بنفسها ذلك باعتبار أن الربط اللاسلكي مشروع المدينة الأهم مثل إدخال الكهرباء أو مد قنوات الصرف الصحي. لذا فمن المتوقع أن تتحول المدينة عما قريب إلى بوتقة للربط حيث يمكن لأي شخص في أي مكان الولوج إلى الإنترنت إذا توفر لديه جهاز حاسب آلي محمول أو هاتف جوال مزود بخدمة الإنترنت. وفي هذا الصدد يقول السيد "راسيج" إنه لا يمكننا أن نعتمد على شركات الاتصالات لتوفير الربط اللاسلكي لأنها ببساطة تخشى من تأثير التكنولوجيا الجديدة على أرباحها متخوفة من المصير نفسه الذي ألحقته خدمة الهاتف المجاني على الإنترنت من الأضرار بشركات الهواتف الجوالة. ويضيف راسيج قائلا: "لا نستطيع أن نضع ثقتنا في السياسيين التقليديين ليجلبوا التغيير في هذا المجال. وفي حال نجحت نيويورك في مشروع الربط اللاسلكي، فإن البلد بأكمله سينجح في ذلك". ويقوم حاليا "راسيج" بدعم تقنية تمكن الأفراد من التقاط صور الجرائم باستخدام كاميرات الهواتف الجوالة وإرسالها عبر البريد الإلكتروني إلى مراكز الشرطة، لكن ذلك لن يتم إلا إذا توفر الربط اللاسلكي الذي سيسهل الحركة وسرعة الإرسال.
وبالرجوع إلى السياسة الأميركية فقد ثبت أن الحزب الذي يوظف آخر صيحات التكنولوجيا المتطورة ويحسن استعمالها يهيمن بسرعة على الساحة السياسية الداخلية. فمثلا استطاع روزفلت النجاح لأنه استعمل بذكاء المذياع وما نقله من نقاش حول الأمور العامة للأميركيين. ونفس الشيء بالنسبة للرئيس الأسبق جون كنيدي الذي كان كثير الظهور على شاشة التلفزيون مما ساعده على الترويج لأجندته السياسية بسهولة ويسر. أما الجمهوريون فقد برعوا في استخدام البريد والحوارات الإذاعية لنشر أفكارهم.
غير أن الجيل الجديد من التكنولوجيا الذي سيكون له تأثير كبير في المستقبل هو ما سبق وأن وظفه هاورد دين في حملته الانتخابية الأخيرة لكنه لم يطوره بالشكل المرغوب. ويتمثل ذلك الجيل الجديد في الربط الشبكي والمدونات الإلكترونية (بلوجينج). وهذا ما سيغير من صورة المسؤولين والمرشحين حيث لن