ترسبت في أذهان الكثيرين منا، صورة سلبية عن العلاج بالصدمات الكهربائية، استقيناها جميعاً من الأفلام السينمائية وبعض أعمال الأدب العلمي أو الأدب النفسي. هذه الصورة يجانبها الصواب في الكثير من النواحي، وهي في أحسن الأحوال، تعرض لشكل من أشكال العلاج بالصدمات الكهربائية، عفا عليها الزمن، وأصبحت جزءاً من تاريخ الطب. فالحكمة الطبية السائدة اليوم هي أن العلاج بالصدمات الكهربائية هو علاج آمن إلى حد كبير، له استخداماته الخاصة في الممارسات الطبية اليومية، وتمتد جذوره عبر فترة زمنية طويلة. فمنذ آلاف السنين، لاحظ الأطباء القدامى أن الحالة العقلية للشخص، تتغير وتتبدل بشكل واضح ودرامي، أثناء فترة تعافيه من صدمة شديدة أو من نوبة تشنج، إما من جراء إصابة شديدة في الرأس، أو مرض خطير، أو بسبب تعاطيه لعقار ما، وبناء على هذه الملاحظة تولدت فكرة العلاج بالصدمة, في محاولة لإحداث تغيرات عقلية مشابهة، من خلال تعريض المريض لصدمات اصطناعية، وتحت الإشراف الطبي.
وبالفعل نجح طبيب نمساوي في العقد الأول من القرن العشرين من استغلال هذه الفكرة في العلاج، من خلال إحداث نوبات مرض الملاريا لدى مرضاه، حيث كان يقوم بحقنهم بطفيلي الملاريا، ليصابوا لاحقاً بالنوبات المميزة لذلك المرض، في شكل حمى شديدة وفقدان للوعي، تتبعها أحياناً نوبات من التشنج الشديد. ورغم أن مثل هذا النوع من العلاج لم يعد يستخدم حالياً، لخطورته ومضاعفاته، إلا أن مكتشفه حصل حينها على جائزة نوبل في الطب بسبب اكتشافه هذا. وعلى نفس المنوال، استخدم الأنسولين في إحداث صدمة لدى المرضى، من خلال حقنهم بجرعات كبيرة منه، تسبب التشنج والغيبوبة لاحقاً. ورغم الخطورة الشديدة أيضاً لمثل هذا النوع من العلاج، إلا أنه ظل يستخدم على نطاق واسع، وحتى الخمسينيات من القرن الماضي. وبتطور الفكرة، استخدم الأطباء عقار "الميترازول" لإحداث نوبات تشنج شديدة جداً، وفي النهاية توصل العاملون في حقل الأمراض العقلية والنفسية، إلى أن تمرير تيار كهربائي في جسد المريض، يؤدي للإصابة بنوبات تشنج عظيمة، مشابهة لنوبات التشنج المصاحبة لمرض الصرع. هذا الأسلوب، المعروف بالعلاج بالصدمة الكهربائية، هو الأسلوب الوحيد الممارس حالياً من جميع أنواع العلاجات بالصدمة، وإن كان مجال استخدامه يشمل نطاقاً محدوداً من الأمراض إلى حد ما.
وعلى الرغم من أن أسلوب العلاج بالصدمة، يستخدم منذ قرابة المئة عام، ولازال يستخدم حتى وقتنا هذا، إلا أن الأطباء والعلماء مازالوا لا يدركون طبيعة عمله، أو "الميكانيزم" الذي يتمكن من خلاله من إحداث تلك التغيرات العقلية، وإن كانت التجربة العملية تظهر بما لا يقبل الشك، أن العلاج بالصدمة - وبغض النظر عن كيفية عمله - ينتج عنه تحسن واضح في الحالة العقلية للكثير من المرضى المصابين بأمراض عقلية مختلفة. ولذا يستخدم العلاج بالصدمة الكهربائية حالياً في علاج حالات الاكتئاب الشديدة، وخصوصاً تلك التي لم تستجب للعقاقير المضادة للاكتئاب، أو لجلسات العلاج النفسي. ويستخدم أيضاً العلاج بالصدمة الكهربائية في حالات الاكتئاب التي لا يمكن معها تناول العقاقير، كما في حالات الحمل، لخطورة تلك العقاقير على الأم وعلى الجنين، بالإضافة إلى استخداماته في الحالات التي يترافق فيها الاكتئاب مع الهلوسة الذهنية، أو الاكتئاب المصاحب بميول انتحارية شديدة. وبخلاف الاكتئاب بأنواعه وحالاته الخاصة، يستخدم أيضاً العلاج بالصدمة الكهربائية في طائفة واسعة من الأمراض العقلية والنفسية الأخرى.
ولكن إذا ما كان هذا هو الواقع الحالي للعلاج بالصدمات الكهربائية، فما السبب في الصورة السلبية التي لازالت تروج لها الأفلام والقصص، ولماذا لازال الكثيرون ينظرون للصدمات الكهربائية على أنها وسيلة عقاب، تستخدم في مستشفيات الأمراض العقلية والنفسية، وليس كوسيلة علاج موثقة ومعترف بها في الأوساط الطبية والعلمية؟ إجابات هذه الأسئلة تعود إلى الشكل القديم من العلاج بالصدمات الكهربائية، قبل اكتشاف مرخيات العضلات, وقبل استخدام التخدير الكلي، في ذلك. في السابق كان المريض يتلقى جلساته وهو في كامل وعيه، وبدون استخدام تخدير أو مرخيات عضلات. وببدء الجلسة، والمكونة من تمرير للتيار الكهربائي عبر جسد المريض، قرابة العشرين ثانية لعدة مرات، كان المريض يفقد وعيه فوراً، ويصاب بنوبات من التشنج العضلي الشديد. هذا التشنج العضلي كثيراً ما كان يؤدي لكسور في العظام، وخصوصاً عظام العمود الفقري، أو يتسبب في أحسن الأحوال في تمزق شديد في العضلات في مناطق مختلفة، وكثيراً أيضاً ما كان المريض يتعرض لكسور في الأسنان، بسبب تشنج عضلات الفكين.
مثل هذه المضاعفات، جعلت من العلاج بالصدمات الكهربائية، أسلوباً للتخويف والترويع، للسيطرة على المرضى في مستشفيات الأمراض النفسية والعقلية، وهو الأسلوب الذي كان يخوف ويروع بالفعل المرضى والأطباء على حد سواء. وتشير بعض التقارير إلى أن فظاعة ما يمر به المريض خلال تلك الفترة، حفز الك