تحت عنوان "الجزيرة هذا الصباح: بين تكنولوجيا الاتصال ومضمون الخبر"، نشرت "وجهات نظر" يوم السبت الماضي مقالاً للدكتور حسن حنفي، وبعد مطالعتي لهذا المقال، أتفق مع الكاتب على أن قناة "الجزيرة" لعبت دوراً مهما في تحريك المياه الراكدة في عالمنا العربي وباحترافية عالية، لكن الأخطر والأهم أنها أخفت أجندتها، والتي تتبع صراعا غير ظاهر على مستقبل المنطقة، وهو مشروع التحول نحو الديمقراطية. وقد استطاعت، ومن خلال هذه الاحترافية، أن توصل رسالتها دون أن تترك مجالاً بسيطاً لاكتشاف توجهاتها. وقد ركزت "الجزيرة" في خطابها على المشاعر القومية والدينية والوطنية والنفور من المستعمر الجديد، وتفننت في الاستفتاءات واختيار الاتصالات والمحللين، وصياغة الأخبار، ومتابعة الأحداث، وتحليلها بالصورة التي تخدم مشروعاً مرسوماً.
وكل متابع بدقة لما تريده "الجزيرة" يكتشف بسهولة أن هذه القناة هي عبارة عن مشروع إعلامي يعمل ضمن حلقات من تصارع دولي يتمثل في مقاومة مشروع التحول في العراق. ويمنع أي حالة تحول أخرى تطال بقية دول المنطقة، ويمكن رصد ذلك من الجهد المستمر في تشويه التحول الجديد في العراق وتصويره بالصورة، التي يتمنى معها أي مواطن في دول المنطقة أن يبقى دهوراً يعيش تحت ظل الأنظمة الديكتاتورية على أن يُبتلى بما ابتلي به العراقيون بعد سقوط الديكتاتور. كذلك استضافتها المكثفة واليومية لمناهضي التحول الجديد في العراق، ومحاولتها المضنية لإخفاء أي مشروع آخر حر، يتسع للجميع في العراق واستماتت وتستميت دائما في دفاعها عن نظام صدام بكل مساوئه التي لم تعد تخفى على العيان.
والأخطر من ذلك أن "الجزيرة" صبغت ذلك وسوقته للشعوب العربية الكارهة للاستعمار الأميركي. "الجزيرة" استطاعت، ومن خلال حرفة إعلامية بالغة الدهاء، سكب النار في بقايا الجثث المحترقة وجعلت الملايين من العرب يطربون لخطابات "المقاومة"، والتي لا تحمل مشروعاً سوى الهدم وإهلاك الحرث والنسل أو إعادة العراق إلى عهود الاستبداد المظلم، حتى وإن أدى ذلك إلى دق إسفين بين الشعب العراقي والشعوب العربية الشقيقة.
أمير جابر- العراق