في عموده الصحفي الذي نشرته صفحات "وجهات نظر" الصادرة يوم الأحد 31 يوليو المنصرم تحت عنوان "السودان- الفريسة" عدد الكاتب د. هيثم الكيلاني مجموعة من الأسباب, التي رأى أنها ستجعل من السودان الهدف الأكثر ملاءمة لاجتياح أجنبي أميركي, أو السيطرة عليه عسكرياً تحت أي مسميات أو ذرائع من قبل قوات حفظ سلام أجنبية, إفريقية كانت أم بريطانية وأميركية أو دولية عموماً. وعلى رغم تقديرنا واحترامنا نحن السودانيين بوجه خاص, لمثل هذا الاهتمام ودق جرس الإنذار المبكر بالخطر المحتمل على أمن بلادنا ومستقبلها, إلا أن هناك جملة من القضايا والنقاط الواجب استجلاؤها على المستوى النظري أولاً والاتفاق عليها قبل أن نسلم أمرنا لنظرية المؤامرة التي صاغ حولها الكاتب مجمل ما كتب.
أولى هذه النقاط وأهمها, هل الولايات المتحدة الأميركية في وضع عسكري واقتصادي ودبلوماسي يسمح لها بخوض مغامرة توجيه ضربة استباقية أخرى, سواء كانت للسودان أم لغيره؟ صحيح أن المغريات لتوجيه ضربة استباقية للسودان, كثيرة كما ذكر الكاتب, ولكن هل أصبح السودان أشد وأكثر إلحاحاً من الأزمة النووية الحامية في طهران أو في بيونج يانج؟ نشير هنا إلى أن إيران كانت هي الدولة الأولى المرشحة في جدول الضربات الاستباقية للمحافظين الجدد, إثر الفراغ مباشرة من "الرقصة الرشيقة الخفيفة" في الجارة العراق! فما الذي يجعل السودان فجأة في مقدمة أولويات الإدارة الأميركية؟
القضية الثانية -وهي التي دفعتني إلى كتابة هذا التعليق- تتلخص في المنظور الذي يكتب منه معظم الكتاب والمثقفون العرب إلى أطراف وعناصر النزاع الداخلي السوداني. وأشير إلى هذا المنظور في مقال د. هيثم كيلاني بقوله ضمن الأسباب والعوامل التي رأى فيها أنها ترشح السودان أكثر من غيره لضربة استباقية أميركية محتملة "ثم إن هناك جبهة داخلية معارضة ذات نزعات قبلية وتقسيمية ودينية"... انتهت جملة الدكتور! والذي يفهم من هذه الجملة دون لبس أو غموض, أن الحكومة الشمالية العربية المسلمة هي المبرأة من النزعات التقسيمية القبلية والدينية, في حين أن الشق الإفريقي المسيحي من جبهة المعارضة الداخلية, هو المدموغ دائماً بتهمة الانفصال والنزعات التقسيمية! وهذا هو عين الخطأ الفادح في النظرة إلى قضايا النزاع الداخلي في السودان, والواجب تصحيحه باعتباره "ألف باء" الكتابة عن السياسة السودانية.
ومن باب التوضيح لا أكثر أسأل الدكتور هيثم الكيلاني: من الذي حول الدين الإسلامي والثقافة العربية الإسلامية إلى وقود للحرب الأهلية والنزاعات بين السودانيين؟ ومن الذي سلح وحرض قبائل جنوب السودان وغربه وشرقه ضد بعضها بعضاً؟ من الذي سلح "الجنجويد" ونظمهم وحضهم على قتل أهلهم وإخوتهم في دارفور؟ قبل أن نكتب, علينا أن نعرف تاريخ السودان وتعقيدات واقعه أولاً.
أنور حاج الصافي- أبوظبي