منذ وعيت على هذه الدنيا وأنا لا أذكر أن هناك أي قمة عربية عقدت إلا لظروف طارئة أو لمعالجة أوضاع عربية متردية. لا أذكر قمة عقدت بهدف بحث مواضيع تنموية بحتة.
بعد أعمال الإرهاب التي أصابت بيت السياحة المصري طلب الأمين العام للجامعة العربية عقد قمة طارئة لمعالجة تنامي أعمال الإرهاب وتردي الأوضاع في العراق والأحوال في سوريا ولبنان. يقولون إنها قمة طارئة لقضايا عالقة. أستطيع أن أقرأ البيان الختامي للقمة قبل صدوره، فلدينا خبرة بالبيانات العربية التي لا يتعدى صداها غرفة الاجتماعات.
لا أحد يفكر أن ما نواجهه الآن هي أزمة خانقة وأنه لم يعد بمقدورنا دفن الرؤوس بالرمال بانتظار مرور العاصفة. لقد أكد لنا تاريخنا أن الأزمات العربية تلد أزمات جديدة ولم يعد بمقدور الإنسان العربي أن يفهم لماذا كتب على هذه المنطقة بأن تبقى حبيسة الأزمات المدمرة؟ ولماذا لم يعد بمقدور زعمائها إخراجنا من ضنك الواقع المرير؟.
المهم أن ندرك في الوقت الحاضر ونحن نواجه أزماتنا أنه طالما أننا لا نتعلم من الكوارث والتجارب السابقة، فمنطق المعالجة والمواجهة سيتكرر وستستمر هذه التحديات بكل تأكيد. لا أعتقد أن من السهل تجاوز خلافاتنا في اجتماع هنا وهناك. وسيعجز زعماؤنا عن التوصل لصيغة معالجة يجتمع عليها الجميع، وسيتكرس المفهوم الذي يؤكد أن معركتنا في جلها هي عبارة عن مواجهات عربية ـ عربية, وليست عربية ـ غربية كما يشاع في الشارع العربي.
أتذكر خطاب صدام حسين في 26/2/1991 الذي وجهه لقواته المسلحة والذي استهله بالبسملة وقال فيه، "إن قواتنا المسلحة أكملت واجب الجهاد رافضة الخضوع لمنطق الشر، وقد خاضت معركة ملحمية يسجلها التاريخ بأحرف من نور" وطلب من قواته أن تنسحب من الأراضي الكويتية. هذا هو منطق الزعامة العربية بشخص صدام حسين، فاحتلاله لأرض عربية اعتبره جهادا ومقتل مئات الآلاف من أبناء العراق اعتبره استشهادا في "ملحمة أم المعارك".
يقول المفكر العربي حليم بركات المقيم في مدينة واشنطن والأستاذ بجامعة "جورج تاون" في كتابه "حرب الخليج خطوات من الرمل والزمن", إن القول بنكران الجميل نزعة واضحة في مواقف بعض الأسر الحاكمة في الجزيرة والخليج. فهم يعتبرون أنفسهم متصدقين من أموال أسرتهم الخاصة على بقية العرب وحتى على شعبهم... ويستمر في وصفه لردود الفعل لغزو صدام حسين بقوله "ويمكن اعتبار هذا التوجه العنجهي تعويضا عن الإحساس بالدونية والتخلف بالمقارنة مع المجتمعات العربية الأخرى." انتهى قول الكاتب لا فض فوه!
ويقول المفكر غسان سلامة الوزير اللبناني السابق واصفاً حدة وخطورة الموقف إبان احتلال صدام للكويت بأن المظلة الأميركية لدول الخليج تشكل الخطر الجديد, واعتبر أن الدول العربية دخلت مرحلة جديدة من الاستعمار مضيفا أن "جامعة الدول العربية هي عبارة عن ميزانية سنوية بحوالي 22 مليون دولار أي نصف ما أنفقة مقامر خليجي في إحدى الكازينوهات في ليلة واحدة".
أردت من الاستشهاد ببعض آراء المفكرين العرب أن أقول إن الأزمة خانقة, وهي أزمة داخلية... هي أزمة بيننا كعرب. فإذا كان غسان سلامة يصف ميزانية الجامعة العربية بميزانية مقامر خليجي، وحليم بركات يرى أن احتلال الكويت له ما يبرره... يا ترى لماذا كان المقامر خليجياً ولم يكن سورياً أو من أي جنسية عربية أخرى! أليس بينهم أثرياء مبذرون؟
إنه العقل العربي الذي يحكمه منطق مغلوط من التسطيح والذي ما فتئ يدخلنا من طريق مسدود إلى آخر. حقا إن القمة لن تلد إلا غمة جديدة!.