تعيش البشرية في عالم شاسع مترامي الأطراف, ترى فيه مساحة ألفي قدم, كما لو كانت شفرة حادة لأحد أمواس الحلاقة! غير أن هذه المساحة الضيقة نفسها, هي من الاتساع بما يكفي لإثارة قلق العلماء والمختصين, من أن يغير كويكب سيار صغير, مساره فجأة في الثالث عشر من إبريل عام 2029 ثم يعود ثانية ليصطدم بالأرض بعد سبع سنوات لاحقة للتاريخ المذكور. وتعرف المناطق الواقعة في مسافة 2000 قدم هذه في لغة علماء الفلك والفيزياء باسم "النقاط الحلوة" أو "ثقوب المفتاح" لكونها نقاطاً تقع في مجال الجاذبية القوية. وعلى الرغم من أن التفسير العلمي الفيزيائي لهذه الظاهرة ربما يبدو معقداً وصعباً نوعاً ما لعامة الناس, إلا أن تداعيات حدوثها, لا يحيط بها أي غموض, إن وقعت بالفعل. وفي حال مرور الكويكب بثقب المفتاح الأكثر ترجيحاً واحتمالاً, فإنه لا شك في أن يدفعه مداره الجديد, باتجاه الارتطام بالأرض في حوالي عام 2036.
والذي لا يزال مجهولاً بالنسبة لبعض العلماء والمختصين في المجال, ما إذا كانت المناظير الأرضية, من الكفاءة بحيث تستطيع توفير معلومات على درجة كبيرة من الدقة, بحيث تمكن من إطلاق مهمة فضائية خاصة, لتغيير مسار ذلك الكويكب أم لا, فيما لو دعت الضرورة إلى ذلك. ولهذا السبب فقد شرع باحثو وكالة "ناسا" لعلوم الفضاء, في التفكير حول ما إذا كان يتعين على الولايات المتحدة الأميركية, أن تراقب ذلك الكويكب بموجات راديو أكثر تطوراً ودقة من المناظير الأرضية, قبل حلول عام 2013 أم لا؟ يذكر أن الكويكب المعني قد أطلقت عليه تسمية "99942 أبوفيس".
وعلى أية حال, فإن عامل الزمن والتوقيت يمثلان كل شيء في التصدي لظاهرة كهذه, على حد قول المختصين والعلماء. وفيما لو أراد المسؤولون تحويل مسار الكويكب قبل عام 2029, فإنه سيكون لزاماً عليهم تحويل ذلك المسار على بعد نصف ميل تقريباً, وهو أمر تتيحه التكنولوجيا الفضائية المتوفرة في الوقت الحالي. أما بعد عام 2029 فإن المهمة ستكون صعبة ومكلفة جداً, لكونها تتطلب تحويل مسار الكويكب على بعد مسافة تعادل قطر كوكب الأرض, على أقل تقدير واحتمال! غني عن القول إن تكلفة كهذه, ستهدر الموارد الاقتصادية للبشرية قاطبة, وليس لدولة واحدة فحسب.
يشار إلى أن مراجعة "ناسا" لهذا الأمر, قد اعتمدت على رسالة رفعتها إليها "مؤسسة "B612 التي يأمل باحثوها ومختصوها في تطوير تكنولوجيا آمنة ومضمونة, لتحويل مسار الكويكب بحلول عام 2015. يذكر أن اجتماعاً ضم باحثين وعلماء من المؤسسة إياها ووكالة ناسا الفضائية, للتباحث في التقنيات الممكن تبنيها لإنجاز هذه المهمة, عقد يوم الأربعاء الموافق السابع والعشرين من شهر يوليو الماضي. وتعد الرسالة التي بعثت بها "مؤسسة B612" أول رسالة من نوعها, تبعث بها الجهات العاملة في رصد ومراقبة الخطر الذي تمثله الكويكبات وغيرها من الأجرام السماوية الصغيرة السيارة, على حياة البشر في كوكب الأرض. ولهذا السبب فهي تعد أول مهمة إنذار عملية, تدق ناقوس الخطر لتفادي كارثة لا يستبعد احتمال وقوعها.
تعليقاً على هذه المهمة قال الدكتور ديفيد موريسون - الباحث الأول في مجال البيولوجيا الفلكية بمركز آميس التابع لوكالة ناسا الفضائية بولاية كاليفورنيا- "على الرغم من إدراكنا لحقيقة أن الخطر الذي تنطوي عليه هذه الظاهرة, ليس كبيراً ومقلقاً, إلا أنه لا يعني نفيه كما لو أنه كان مجرد صفر".
يشار إلى أن هذا الكويكب كان قد جرى رصده في شهر يونيو المنصرم, وبدا كما لو أنه سيرتطم بسطح الأرض بحلول عام 2029. غير أن معلومات إضافية أكثر دقة تحصل عليها العلماء, استبعدت هذا الاحتمال. وبدلاً من الارتطام المباشر بسطح الأرض, اتضح أنه سيرتطم على بعد مسافة نحو 22.600 ميل من الأرض, وهي مسافة قريبة جداً من المدارات التي تدور فيها الأقمار الصناعية الخاصة بنظم الاتصالات, التي نستخدمها ونعتمد عليها في حياتنا وعملنا اليوميين. وفي تلك اللحظة سيكون الكويكب المعني, متاحاً لرؤية العين المجردة, في سماء كل من أوروبا وغرب إفريقيا, حيث يبدو أكثر قتامة نوعاً ما, مقارنة بالنجم الشمالي. غير أن هذه المسافة نفسها, تنطوي على بعض الشكوك حول مدى دورانه على بعد عدة آلاف أخرى من الأميال على جانبي مساره المحتمل, علماً بأن تلك منطقة فضائية تضم ثلاثة من "ثقوب المفتاح" المعروفة بجاذبيتها القوية.
هذا ويعكف الباحثون والعلماء على دراسة ثلاثة عوامل رئيسية هي, أولاً دراسة ما إذا كان المزيد من الرصد والمراقبة الأرضية, سيفي بالإجابة عن السؤال حول احتمال مرور الكويكب بأحد ثقوب المفتاح المرتقبة أم لا؟ يذكر أن الكويكب ينتمي إلى مجموعة فلكية تعرف باسم "أتينز" تكمل دورانها حول الشمس في أقل من عام, مارة خلال رحلتها بمدار كوكب الأرض. هذا وتكمن صعوبة المراقبة الأرضية لهذه المجموعة, في ميل المجموعة, لقضاء معظم وقت دورانها باتجاه الشمس. ولذلك فإن الفرصة القادمة لجمع معلومات أرضية عن الكويكب ستكون بين العامين 2012-2013. أما العامل الثا