خسر العالم الاسلامي والمجتمع الدولي شخصية تاريخية من الوزن الثقيل، بوفاة الملك فهد خادم الحرمين الشريفين· فالراحل الكبير لم يكن زعيماً عادياً، ولا سياًسيا تقليدياً، بل كان، بكل المقاييس، رجل دولة فذا، أفنى جل سني حياته في خدمة بلده وأمته ودينه·
لقد استطاع الملك فهد طوال سنوات حكمه أن يدير دفة الأمور في المملكة العربية السعودية الشقيقة بكل حكمة واقتدار، وتمكن بحسه السياسي الرفيع ونفاذ بصيرته من دعم وتعزيز مصالح وقضايا العالم الاسلامي وقدم الكثير من الإنجازات في شتى المجالات التي ستبقى شاهدة على إخلاصه وتفانيه.
ورغم الفورات والهزات التي تعرضت لها المنطقة والعالم الاسلامي برمته طوال السنوات الماضية إلا أن الراحل الكبير استطاع أن يقود سفينة السعودية عبر الأنواء وفي مواجهة تقلبات الريح الى بر الأمان بكل سلاسة وحنكة·
لقد كان الملك فهد ''رحمه الله'' ابن جيل من الحكام العرب ساقتهم الأقدار للعب أهم الأدوار في مرحلة شديدة الحساسية من تاريخ العرب والمسلمين·
فالتحديات كانت كبيرة والصعاب كانت كثيرة لكن الراحل الكريم بحنكته وحكمته أدار دفة الأمور بما فيه صالح العباد وبقي اسمه عنوانا للحكمة والرشاد والحكم الرشيد·
وفي عهده عززت السعودية أكثر من وضعها كقوة إقليمية كبرى وصار للمنطقة ومصالحها وزن مهم وثقل كبير لا يمكن لكائن من كان أن يتجاهلهما أو يتجاوزهما·
لقد كان الفقيد يتجاوز دوما بفكره حدود بلده، فالهم العربي والاسلامي كان دوما حاضرا في ذهنه، الأمر الذي جعله باستمرار حريصا على السعي الدؤوب من أجل المصالح العربية والاسلامية بصرف النظر عن التحديات·
إن وفاة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد إنما هي في واقع الأمر، تؤكد أن العالم العربي فعليا بصدد مرحلة جديدة في تاريخه، بصرف النظر عن أي تطورات أخرى· ذلك لأن موته، إنما يشير الى أن ثمة جيلا من الآباء المؤسسين لنظام عربي إقليمي استمر واستقر عقودا يسلم الراية الآن لجيل جديد، بعدما لعبت قيادات الجيل المؤسس هذا أبرز الأدوار في تاريخ المنطقة خلال سنوات العصر الحديث ووضعت الأسس والقواعد لبنيان النظام العربي·
والقيادة السعودية الجديدة، هي بدون شك خير خلف لخير سلف· فالعاهل الجديد الملك عبدالله سيتمكن بدون شك من قيادة السفينة بما عهد فيه من حكمة وحنكة الى بر الأمان بمشيئة الله تعالى.