ارتكبت السلطات الجزائرية أخطاء متتالية أثناء وقبل خطف أبو مصعب الزرقاوي لدبلوماسييها "بلعروسي" و"بلقاضي". قبل عملية الاختطاف شهدنا اضطراباً في الرِؤية الاستراتيجية للسلطات الجزائرية، فهي لا تتعامل في حركتها الخارجية حسب رِؤية شاملة ومتناغمة، بل تتحرك في كل مسرح، وكأنه مفصول نهائيا عن المسارح الأخرى، فهي تعرض على بريطانيا وأميركا مساعدتهما في الحرب على الإرهاب، لأنها تملك خبرة في التعامل معه خلال سنوات محاربتها له في الجزائر، حسب تصريحات السلطات الجزائرية، وفي الوقت نفسه تقول إنها لا تتفق مع التعريف الأميركي- البريطاني للإرهاب، وتطالب بضرورة التفريق بينه وبين المقاومة المشروعة للاحتلال، لكنهما لا يتفقان مع الرؤية الجزائرية سواء في التفريق بين الإرهاب والمقاومة المشروعة أو في التمييز بين مسارح العمل الاستراتيجي بل إنهما ينظران إليه كمسرح واحد لمواجهة عدو عالمي تختلف وجوهه إلا أنه يحمل اسما مشتركا هو الإرهاب، و"القاعدة" في قلبه.
وتظن الجزائر أنه بالإمكان التحرك في المسرح الأوروبي دون أن تتأثر حركتها في العراق، مع أن "القاعدة" التي تبنت عمليات بريطانيا وأسبانيا و أميركا تنظر إلى العالم كساحة واحدة، وتنظر إلى من يواجهها في أي مسرح كعدو في المسارح الأخرى. وحين تعرض السلطات الجزائرية مساعدتها الأمنية على أميركا وأسبانيا وبريطانيا، فإنها تتحالف مع هذه الدول في حربها على "القاعدة".
السلطات الجزائرية ارتكبت أخطاء خطيرة؛ ففي الخارج ظلت تتحدث عن الخاطفين كأنهم يمثلون كل المقاومة والشعب العراقي، وأظهرت أنها لا تملك خريطة واضحة عن الجماعات المقاتلة في العراق، مع أن تقارير كثيرة قدمت معلومات ثمينة عن أنواع الجماعات وعددها، وغالبا ما تستثني جماعة الزرقاوي من المقاومة. وقد أثر هذا النقص في المعلومات سلباً على طريقة تعامل السلطات الجزائرية مع عملية الاختطاف وجعل خطابها مرتبكاً وغير مقنع، وبدت وكأنها لا تدري ما تفعل. أحد الدبلوماسيين الجزائريين صرح ليومية "الخبر" الجزائرية أن الدبلوماسيين الجزائريين المختطفين لا يقومان إلا بعمل إداري بحت وليس تواجدهما اعترافا بحكومة تحت الاحتلال، لكن ما يشكك في تصريحه هو تواجد سفير للحكومة العراقية في الجزائر. وظلت السلطات الجزائرية تردد أنها لا تعرف ماذا يريد الخاطفون، وتنتظر أن يحددوا مطالبهم، مع أن الزرقاوي ذكر في بيان الاختطاف أنه سبق أن حذر الدول العربية الإسلامية من ربط علاقات دبلوماسية مع سلطة عراقية تحت الاحتلال لأنه اعتراف بشرعيته، ولقد أظهر جدية تحذيراته في اغتيال السفير المصري، ومحاولة اغتيال السفير البحريني والباكستاني.
الحواس تقية- الجزائر