لا أنكر أن بعض الدهشة قد أصابني - وأحسبه أصاب غيري - من الدعوة إلى قمة عربية طارئة، ليس لأن الحاجة إليها غير واردة، فلو كان الأمر بيدي لأبقيت مؤسسة القمة العربية في حال انعقاد دائم حتى يبرأ العرب مما ألم بهم وينجحوا في التصدي للهجمة الشرسة عليهم. لكن مبعث الدهشة أن المبررات التي سيقت لتفسير الدعوة إلى القمة العربية الطارئة موجودة منذ زمن، بل لعلها كانت أشد وطأة في أوقات سبقت وقتنا هذا. فكم عاثت إسرائيل من قبل فساداً في الأراضي الفلسطينية، وكم استنجد شعب فلسطين بإخوانه العرب لمساعدته على الخروج من جحيم البطش الإسرائيلي، أما العراق فلم يستثر احتلاله أحداً للدعوة إلى قمة عربية طارئة مع أن كل مقومات الدعوة إليها كانت متوافرة آنذاك على الأقل لأن المساس بدا جسيماً بالأمن القومي العربي، وتدهورت أوضاعه بعد ذلك بحيث إن ما يجري أمام أعيننا اليوم من مذابح يومية في العراق يعد نتيجة طبيعية لأوضاع بدأت مع اليوم الأول للاحتلال، وربما كان التقليل منها أو حتى القضاء عليها ممكناً لو أن أحداً قد دعا في وقت سابق إلى قمة عربية طارئة. تبقى مواجهة الإرهاب الذي استشرى في الآونة الأخيرة في كل مكان، وهي مسألة مهمة دون شك غير أن التعاون العربي الأمني من هذا المنظور في حدود علمي تعاون مثالي أو قريب من ذلك.
سيقولون إن إسرائيل بسبيلها إلى الانسحاب من غزة، وإن هذا سوف يرتب تحديات داخلية فلسطينية وأخرى عربية، وإن المستقبل يحتاج وقفة عربية واحدة، وإن السكوت ما عاد ممكناً على تدهور الأوضاع في العراق أو تفشي الإرهاب، وإن الإدراك المتأخر للحاجة إلى قمة عربية طارئة أفضل من إهمالها حتى يجيء موعد القمة الدورية، وهو كلام طيب دون شك غير أنه ينقلنا إلى الملاحظة التالية وهي خاصة بأسلوب الدعوة إلى القمة.
لقد تابعنا تصريحات الأمين العام لجامعة الدول العربية بشأن ضرورة عقد قمة عربية طارئة وتحركاته في هذا الخصوص ثم فوجئنا بالدعوة الرسمية المصرية في يوم محدد هو الأربعاء الموافق الثالث من شهر أغسطس الجاري. ويتمنى المرء بطبيعة الحال أن يكون الإعداد للقمة قد سار على النحو المنصوص عليه في بروتوكول الانعقاد الدوري للقمة الذي أصبح قانوناً جزءاً لا يتجزأ من ميثاق جامعة الدول العربية. فالقمم الطارئة يدعو لها الأمين العام أو إحدى الدول الأعضاء, ولا تنعقد إلا بموافقة ثلثي الأعضاء، ولعل ذلك قد حدث قبل الدعوة إلى القمة وإلا فإن هذه الدعوة لا تكون قد اتبعت الخطوات المفروضة، وهي مسألة تبدو شكلية غير أن لها مردوداتها الموضوعية على نحو ما سنرى، فضلاً عن أن الالتزام بالقواعد القانونية مطلوب بحد ذاته. والواقع أن ثمة مؤشرات تعطي الانطباع بأن الدعوة ربما صدرت قبل تأمين موافقة ثلثي الأعضاء, بدليل أن صحف اليومين التاليين للدعوة لانعقاد القمة كانت تتحدث عن موافقة "العديد" من الدول الأعضاء على انعقاد القمة، وأهمية هذه النقطة أن عدم اتباع الأسلوب المنصوص عليه قد يؤثر في درجة استجابة الدول لانعقاد القمة الأمر الذي ينعكس بالسلب دون شك على الثمرة المرجوة منها.
نفترض مع ذلك أن الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية سوف تستحي على أي حال من رفض دعوة كريمة إلى قمة عربية طارئة وتستجيب لحضورها بما يؤمن أغلبية الثلثين وهو ما حدث بالفعل، لكن هذا في حد ذاته لا يضمن أن يجيء تمثيلها على المستوى المطلوب، وهو ما يعكس درجة الاهتمام بالقمة ويؤثر على طبيعة قراراتها وربما درجة الالتزام بها.
على الرغم من ذلك كله سوف تواجه القمة تحديات حقيقية، وسوف تكون مطالبة وفقاً لمنطق أصحاب الدعوة لها بأن تقف بمنتهى الجدية أمام الملفين الفلسطيني والعراقي بصفة خاصة، فهل هذا يكفي أم أن الوطن العربي برمته يواجه هجمة شرسة تحتاج قمماً لا قمة واحدة كي يتمكن من صد هذه الهجمة؟ وحتى إذا سلمنا بأن نهج مواجهة "الملفات" مجزأة, فإن الملفين الفلسطيني والعراقي يحتاجان سياسات عربية جسورة يمثل التوصل إليها تحدياً حقيقياً يواجه القمة العربية الطارئة: في الملف الفلسطيني قد يكون مفهوماً ومطلوباً أن تتنادى القمة إلى دعم التهدئة مع إسرائيل كي يتم الانسحاب من غزة بسلاسة وأن تعمل على تعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية وكذلك السلطة الفلسطينية، ولكنها سوف تكون مطالبة في الوقت نفسه بالنظر إلى ما بعد الانسحاب وإلى طبيعة التحدي الذي يواجه العرب عامة والفلسطينيين خاصة، وهو أن إسرائيل لا تنوي أن تفعل المزيد إلا إذا أكرهت على ذلك، وهو ما لن يحدث إلا بمواصلة المقاومة، الأمر الذي يفتح الباب للحديث عن الوحدة الوطنية الفلسطينية وأهمية تعزيزها لكي نعبر جميعاً هذه المرحلة بسلام، وضرورة أن يبنى هذا التعزيز على أسس ديمقراطية واضحة ومن هنا أهمية التعجيل بالانتخابات التشريعية الفلسطينية كي تصبح المؤسسات السياسية الفلسطينية مرآة حقيقية لواقع الجسد السياسي الفلسطيني، وهو ما يشكل دون غيره الضمانة الأكيدة لمنع الاقتتال الفلسطيني الأهلي. وفي السياق نفسه ينبغي التأكيد على ا