في مقاله المنشور بصفحات "وجهات نظر" الصادرة يوم الثلاثاء 26 يوليو المنصرم, تحت عنوان "القاعدة تستعيد زمام المبادرة: التشاؤم سيد الموقف" استرعى نظري وصف الكاتب جمال خاشقجي لمقاله في فقرته الختامية الأخيرة بقوله "إنها مقالة مضطربة, متشائمة لا تقدم حلاً وأعتقد أنه ما من أحد لديه الحل". يذكر أن هذه الخاتمة جاءت على خلفية استعراض الكاتب وتفنيده للآراء التي تقول إن تنظيم القاعدة إنما يصدر فيما ينفذه من عمليات وهجمات انتحارية, عن دوافع فوضوية عبثية. وخلص الكاتب ضمن استنتاجاته إلى أن التنظيم المذكور, يعمل في الواقع استناداً إلى نظرية "الفعل ورد الفعل" وأن له أهدافه واستراتيجيته ومراميه. كما استند الوصف أيضاً إلى تشاؤمه من احتمال إحراز نصر حاسم قريب في الحرب الدائرة على الإرهاب, نتيجة لما يراه من استمرار دوامة فتوى التنظيم الداعية إلى العنف والإرهاب, وتجنيد الشباب الغاضبين إلى صفوفه, وتحريضهم على القتل.
والذي استرعى انتباهي بشدة, أن الكاتب قد خط مقالته, وكأنه يكتب على صفحة من بياض الذاكرة والتاريخ السياسي للمنطقة العربية! فمنذ متى وأي سيرة تاريخية هذه, التي تحدثنا عن أن تنظيم القاعدة هو أب الإرهاب في المنطقة, وأن ميلاده هو يوم ميلاد الإرهاب وممارسة العنف السياسي باسم الإسلام؟ ترتيباً على هذا فقد استغربت جداً من خطأ الافتراض الذي عول عليه الكاتب كثيراً, وهو الافتراض القائل إن هناك من يعتقد أن تنظيم القاعدة, هو تنظيم عديم الاستراتيجية والأهداف, وإنه يقتل لمجرد القتل وحده! وأخيراً وفي معرض هذا الرد المقتضب, نصل إلى قصة نظرية "الفعل ورد الفعل" هذه التي صاغها الكاتب وكأنها خلاصة فكرية للمقالة, كاشفة للغز دفين, استعصى حله على الآخرين, في محاولة فهم العقلية التي ينطلق منها تنظيم القاعدة.
في التعليق على هذه النقاط الثلاث مجتمعة, أقول إن "اضطراب المقال" إنما مرده إلى اضطراب فكره ومنطقه الداخلي الذي استند عليه, كما أنه يعود أيضاً إلى مخاطرة الكاتب, بتناول ظاهرة معاصرة -مثل ظاهرة تنظيم القاعدة- وكأنها نشأت من فراغ التاريخ وانعدام الجذور وغياب الذاكرة السياسية!.
منصور حسين بركات-دبي