بطريقته الاستعراضية المعروفة دعا الرئيس المصري حسني مبارك لعقد قمة عربية طارئة في شرم الشيخ الأربعاء المقبل الموافق الثالث من أغسطس وذلك خلال إلقائه لخطاب في شبين الكوم عاصمة محافظة المنوفية مسقط رأسه. رافق هذه الدعوة إعلان عن ترشيح نفسه في أول انتخابات رئاسية متعددة المرشحين تجرى في 7 سبتمبر المقبل. الربط بين الداخل والخارج كان جليا في خطاب الرئيس المصري. لم تكن المناسبة تحتمل الدعوة للقمة الطارئة السريعة والرغبة في إعادة انتخابه لولاية جديدة ثم الإعلان عن رؤية جديدة لإصلاحات داخلية. فالحديث عن الإرهاب كان مقرونا بالحديث عن إنهاء قانون الطوارئ، فامتزج في هذا الخطاب الغير مسبوق الداخل بالخارج.
والسؤال المطروح الآن وقبل عقد القمة بأيام: لماذا القمة الطارئة؟ ما الجديد على الساحة العربية يستدعي قمة طارئة؟ أي بعبارات أخرى ما الطارئ المستدعي لقمة طارئة؟. دعوة الرئيس المصري للقمة الطارئة أوضحت بأن أجندة القمة ستركز على ثلاثة ملفات رئيسية وهي: تطورات الأوضاع في العراق، الملف الفلسطيني ومسألة الانسحاب من قطاع غزة و"خريطة الطريق" والدعوة الأميركية لعقد مؤتمر للسلام. أي العلاقات العربية الإسرائيلية, وملف الإرهاب. فهل تفجيرات شرم الشيخ الأخيرة حدث عربي استثنائي؟ وهل نحن أمام قمة طارئة بلا ملفات طارئة؟ ومن جديد لماذا القمة؟
تشهد أروقة الجامعة العربية تحركاً محموماً لإنجاح عقد القمة الطارئة ولحشد أكبر عدد من الدول العربية. الاستعدادات على قدم وساق والتحضيرات ماضية لعقد اجتماع وزراء الخارجية العرب غداً الثلاثاء لإقرار أجندة الاجتماع والاتفاق على مشروع البيان الختامي. لم يعلم حتى الآن مستوى حضور الدول التي قبلت بالدعوة، لكن من الواضح أن مستوى الحضور لا يهم وليس أولوية. ولا نبالغ إن قلنا بأن الانعقاد هدف بحد ذاته. لقد رحبت العديد من الدول العربية بالقمة دعماً لمصر ولوحدة الصف العربي كما يطلق عليه إعلاميا. إلا أن الامتعاض بدا واضحا من خلال التعليقات الجزائرية الرسمية. فالجزائر البلد المضيف للقمة الماضية التي عقدت في 23 مارس الماضي, أعلنت في بيان رسمي أنها لا تمانع من حيث المبدأ في انعقاد قمة جامعة الدول العربية, حتى وإن لم تضطلع بمسؤولية الدعوة إليها بصفتها الرئيسة الحالية للجامعة العربية، فالجزائر ستشارك بصفتها عضواً لا رئيسا. كما انتقدت الاستعجال في عقد القمة الطارئة بدون إتاحة الفرصة لدراسة جدول الأعمال وتحديد الأهداف والنتائج المرجوة من القمة. أكدت الطريقة التي أعلن بها عن عقد القمة, الطابع الاستعجالي والاستعراضي المغلف للسياسة المصرية وأقرت ما كان معروفا لدى الجميع بأن الجامعة العربية تخدم أهداف السياسة المصرية. هل نبالغ؟
الإرهاب، العراق، فلسطين عناوين مقيمة في جداول الأعمال العربية من قمم ومؤتمرات ولقاءات ثنائية. ملفات دائمة، قد يساعد استعراض التطورات الأخيرة فيها على تسليط الضوء على ما قد يكون غاب عن ذهن المتابع العربي, ولم يغب عن ذهن القيادة السياسية المصرية فرأت فيه ما يشكل فعلاً "طارئاً" يستدعي تحركاً عاجلاً لقمة استثنائية. ملف الإرهاب أول الملفات التي قد تحمل إجابة لسؤالنا, خاصة وأن القمة ستعقد في منتجع شرم الشيخ السياحي آخر المدن العربية التي ضربها الإرهاب.
أشباح الإرهاب ضربت العديد من الدول العربية في الفترة الأخيرة مصر ولبنان والسعودية وهي مقيمة بالعراق. التجارب العربية في محاربة الإرهاب مختلفة ولعل أنجحها التجربة المصرية على الرغم من انتهاء شهر العسل المصري, بعد موجة الإرهاب الأخيرة في شرم الشيخ وقبلها, تفجيرات طابا ومناطق متفرقة في قلب العاصمة القاهرة، ما شكل تهديدا مباشرا للحكومة المصرية بعد سنوات من الهدوء النسبي على الساحة الداخلية أثبتت معه الحكومة المصرية نجاحاتها الأمنية في احتواء الإرهاب وتحجيمه, حتى تلاشت حوادث الاعتداء على السياح الأجانب منذ سنوات، وازدهرت السياحة من جديد في مصر. إذن الإرهاب ليس طارئا على مصر بل كانت من أولى الدول العربية التي ضربها الإرهاب والتي سعت لمحاربته. لكن أن يضرب الإرهاب منتجع شرم الشيخ الآمن الذي طالما تصدر صفحات الأخبار والصفحات السياحية على حد سواء، فهذا حدث مختلف, فكان الرد المصري حاضرا بعقد هذه القمة في شرم الشيخ, ما يعكس تصميم وعزم الحكومة المصرية على الوقوف في وجه الإرهاب باعتبارها آخر ضحاياه.
أوراق الملف العراقي لم تكن أبدا بيد الجامعة العربية حتى تستدعي قمة طارئة لتناقش التطورات الأخيرة في العراق. عدم الاستقرار مقيم بالعراق، التفجيرات الانتحارية في تصاعد وأنهار الدماء العراقية لم تجف سواء على يد المحتل أو على يد أهل البلد. أما على صعيد الدستور العراقي فاللجنة المكونة لازالت تعلن بأن الدستور العراقي سينجز في الـ15 من الشهر القادم حسب الجدول, كما أن محاكمة الرئيس العراقي ورموز نظامه تمضي ببطء, بعيدا عن وصاية أو إشراف الجامعة العربية. لذا فالملف العراقي لا ينتظر "ال