بعد غد يكون قد مر على الكابوس الجنوني الذي حققه صدام حسين باحتلاله الكويت 15 عاماً. أرفض أن أسميها ذكرى -تنذكر ولا تنعاد- كما نقول في لبنان. أن تنام في بيتك ووطنك آمناً, وجارك في وطنه آمن, لتصحو على أصوات دبابات وأزيز رصاص, وإذ بوطنك تحول إلى محافظة في وطن الجار.
لم يفهم إحساس أهل الكويت, أكثر من اللبنانيين الذين عانوا الأمرين من احتلالات "الجيران" جنوباً وشمالاً, بقاعاً وبحراً. ولكن عندما يقع الاحتلال من الجار الناطق بلغة الضاد والنخيل, كم يكون الوجع... وجعاً.
لا أريد أن ألعب دور "محراك الشر", ولا أريد أن أوقظ غولاً من المشاعر التي حاول الكويتيون والعراقيون تهذيبها وترويضها –أقصد هنا الشعبين- في محاولة لتخطي قبح الاحتلال وما فعله في النفوس. هذه المشاعر أصابت كل عربي في صميم منطقه وفؤاده, فباتت الثقة بالجار صعبة, وبات تبرير ما فعلته إسرائيل في فلسطين –استرداد حقها التاريخي-عادياً وكأنه تبرير لحق.
إلا أنني لم أستطع قبل أيام, وأنا أرى صور بعض العراقيين الغاضبين يحاولون خلع حاجز حديدي وضعته السلطات الكويتية على الحدود مع العراق, مؤكدين أنه يمتد داخل الحدود العراقية - يبلغ طول الحدود مائتي كيلومتر-, من الشعور بالخوف,- وأعتقد أن العديد من الكويتيين انتابتهم نفس المشاعر - ومن التساؤل: هل يعقل أن تقتحم الكويت مرة أخرى؟
هل يجوز في حال ازدادت الضغوط على قوات الاحتلال الأميركية والبريطانية, أن تنسحب تلك القوات, وتترك الحبل على الغارب, فيحاول من تبقى من فلول صدام مع مزيج من المرتزقة وقطاع الطرق والنهابين, الاعتداء على الكويت؟.
ما قاله وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري قبل أيام من أن "العراق إنما يريد تعاوناً إيجابياً مع كل دول الجوار, لأن أمن العراق من أمن المنطقة ", كلام جميل. كما هو جميل كلامه فيما يخص العلاقة مع الكويت وتأييده تشكيل لجنة مشتركة, تضم خبراء من الطرفين, يعملون في لجنة لتثبيت الحدود المعترف بها بين الكويت والعراق, وفقاً لقرارات مجلس الأمن.
ما ليس جميلاَ, هو هذا الإحساس الكريه بانعدام الثقة بالآخر "الشقيق العربي" من داخل الكويت وخارجها. ما ليس جميلاً, هو أن تساهم دولة جارة بتسهيل تدفق مخربين لا علاقة لهم بمقاومة "الاحتلال", ولهم علاقة أكيدة بتنفيذ مجازر تقشعر لها الأبدان تتسبب كل يوم في موت أطفال وحرمان أيتام من أهاليهم.
ما ليس جميلا, هو هذا الجنون وهذا الدم وهذا السفه الذي يحيط بنا, ويعشعش في ثنايا أفكارنا وحياتنا. فما يحدث في العراق, يؤذينا يومياً كما يؤذي العراقيين, وينتقل إلى بيوتنا, يشاطرنا الزاد.
ما حدث في 2 أغسطس 1990, في العراق والكويت بشع, هز عالمنا العربي, النائم في ثبات الأصنام, وأوصلنا إلى ما نحن عليه اليوم من هوان وذل, وانعدام القدرة على التفكير والتغيير.
هل تدرون من أين يجب أن نبدأ المشوار؟
نبدأ من حيث دخلت الأفعى وبثت سمومها في الأرض والنفوس. نبدأ من الثقة الحقيقية بالنفس, ومن ثقتنا بالآخر, الجار... ولو جار, والشقيق... ولو شقي.
وللكويت وأهلها, الحمد لله على السلامة.