ظاهرة العنف والإرهاب الجديدة التي ضربت عدة عواصم ومدن عربية, جعلت الجميع يركز على الظروف التي أدت إلى تفشي الإرهاب والطرق التي يتبعها الإرهابيون الجدد.
لا ينكر أحد أن ظاهرة الإرهاب الجديدة غريبة ومثيرة. فالأهداف ليست واضحة وعمليات القتل لأناس أبرياء لا يمتون بصلة لحكوماتهم ولا يلعبون أي دور سياسي تثير تساؤلات حول الثقافة التي يحملها هؤلاء الإرهابيون؟.
الخطير في ظاهرة الإرهاب اليوم هو بُعدها الدولي والعالمي. فظاهرة الإسلام السياسي في بدايتها, وضعها الإخوان المسلمون في مصر في العشرينيات ولقيت رواجاً كبيراً لدى أهل الريف. وبعدها انتقلت إلى المدينة وبعض الدول العربية والإسلامية، حيث لقيت رواجاً كبيراً في الخليج والجزيرة العربية، لأن الأفكار التي يدعو لها الإخوان هي أفكار بسيطة تدعو للمحافظة على القيم الصحراوية القديمة. هذه الأفكار أعجبت بعض حكام الخليج, الذين شجعوا ظاهرة التدين والمحافظة على العادات والتقاليد لأن مثل هذه الأفكار لا تشكل ضغطاً على الحكام لتحديث مجتمعاتهم وتطويرها وبناء الدولة العصرية التي تطمح لها شعوبها. تعايشت الأنظمة العربية والخليجية مع الإسلام السياسي في بلدانها لأن أفكارهم تتلاءم مع مصالح هذه الدول. وفي السبعينيات والثمانينيات شجعت بعض الأنظمة الخليجية والعربية شبابها المنتمي للإسلام السياسي للانخراط في العمل الجهادي ضد التواجد الروسي في أفغانستان. ونتج عن ذلك جيل جديد من الشباب العربي الذي يؤمن بالعمل الجهادي. وعندما عاد "الجهاديون" إلى بلدانهم بدأ العنف في كل من مصر والجزائر والسعودية والكويت واليمن.
الاحتلال الأميركي للعراق أبرز ظاهرة جديدة, يمكن تسميتها بالإسلام القومي. وهي ارتباط الإسلام السياسي بالأحزاب والحركات القومية، والهدف من هذه الحركة، كراهية الغرب والولايات المتحدة بالتحديد لأسباب عديدة أهمها السياسات الأميركية في فلسطين ورفض المفاهيم الإصلاحية والديمقراطية التي تدعو لها الولايات المتحدة. هذا التحالف القوي الإسلامي بدأ في بيروت، حينما دعا مركز دراسات الوحدة العربية، وهو مركز أكاديمي تموله دول الخليج العربية والعراق إبان حكم صدام حسين إلى حوار قومي - إسلامي لحل الخلافات ولرسم سياسة جديدة لمواجهة الغزو الغربي للبلدان العربية.
لقد نشط هنا التحالف القومي - الإسلامي في العراق بعد التدخل الأميركي وتغير النظام القومي فيه. الأحداث الأخيرة في لندن وقبلها في مدريد والولايات المتحدة أثبتت تحول حركات الإسلام السياسي وخصوصاً القاعدة من المحيط المحلي وهو أفغانستان أو العراق إلى المحيط الدولي أو الكوني تحت شعار الدفاع عن الإسلام، وضد الغزو الأميركي للعراق وأفغانستان وغيرها. هذه الجماعات الإرهابية الإسلامية ترفض الحضارة الغربية بكل مفاهيمها الإنسانية. جماعات الإسلام السياسي بكل أشكالها من إخوان وسلف وجهاديين, يريدون العودة إلى عصر الحريم والحروب الصليبية. هم يحاولون عزلنا عن محيطنا الإنساني العالمي، فيخلقون معارك جانبية بعملياتهم الإرهابية البغيضة ضد الناس الأبرياء. والعمليات الإرهابية تكشف جهل وعزلة هذه الجماعات عما يدور في العالم من حولها.
كيف يمكن محاربة الجماعات المتطرفة في منطقتنا والعالم؟ الدعوة الجديدة التي أطلقها رئيس الوزراء البريطاني توني بلير الداعية إلى تشكيل "تحالف الحضارات لمحاربة الإرهاب الدولي", دعوة في محلها ومكانها، لذلك علينا ألا نتردد في الانضمام إلى هذا التحالف الجديد. لكن حتى نكون صادقين مع أنفسنا ومع الآخرين علينا في الخليج والعالم العربي تبني القيم الليبرالية - الإنسانية المنفتحة ذات البُعد الإنساني التي تدعو إلى التسامح والعدالة والمساواة واحترام الآخر, لصد الطريق أمام القوى السياسية المنغلقة على نفسها باسم الدين تارة، وباسم العادات والتقاليد والقومية تارة أخرى. علينا أن نقرر هل نريد لثقافتنا أن تكون ثقافة دينية أم علمانية تفتح المجال للتعايش بين الأديان والثقافات المختلفة؟.