يعتقد "توم جيهريج" أنه بتسلقه إلى قمة سلم لولبي مثبت بجوانب خزان أسطواني ضخم، سيكون قادرا على استشراف آفاق مستقبل الطاقة في أميركا. وهذا المستقبل يرمز إليه خزان هائل - يتضاءل إلى جانبه الخزان الذي يقف إلى جواره- سيتم بناؤه في منطقة "فول ريفر" بولاية ماساشوستس لتخزين 200 ألف متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال المستورد من الخارج. وبناء هذا الخزان الهائل الذي سيساعد على الوفاء باحتياجات أميركا المتزايدة من الطاقة، كان سببا في إثارة احتجاجات سكان المدينة الذين يخشون أن يؤدي وجوده في مدينتهم إلى جعلها هدفا للهجمات الإرهابية.
لثلاثة عقود خلت تمكنت الولايات المتحدة من التأقلم - في بعض الأحيان بنوع من عدم الراحة- مع موضوع الاعتماد المتزايد على الطاقة. أما الآن فإن الأسعار المرتفعة للغاز الطبيعي المستخرج محليا، دفعت السلطات إلى رسم خطة لمواجهة هذا الارتفاع في الأسعار من خلال استيراد الغاز الطبيعي المسال من الخارج.
ربما يكون ذلك إجراءً ذكيا في المدى القصير. ولكن بعض المحللين يرون أن قيام الولايات المتحدة باتباع مثل هذه السياسة على المدى الطويل يمكن أن يعرضها إلى الاعتماد الكلي على مصدر ثانٍ للطاقة المستوردة من الخارج وهو الغاز، وذلك بعد أن ظلت معتمدة بشكل أساسي ومتزايد في نفس الوقت على النفط المستورد من الخارج منذ حقبة السبعينيات من القرن المنصرم. ومن المعروف أن نصف كمية الطاقة التي تحتاجها أميركا حاليا يتم توليدها من الفحم، وأن 20 في المئة يتم من خلال الطاقة النووية، و18 في المئة من الغاز الطبيعي، أما الباقي فيأتي من الطاقة المائية وغيرها من المصادر القابلة للتجدد. وتشير الإحصائيات إلى أن واردات الغاز الطبيعي المسال تشكل الآن 3 في المئة من الطلب الأميركي على الطاقة.
هذا الوضع سيتغير بالطبع. فالغاز الطبيعي المسال يمكن أن يرتفع ليشكل 21 في المئة من مجموع الاستهلاك الأميركي من الطاقة بحلول عام 2025. وقد قامت إحدى المؤسسات المتخصصة في مجال الطاقة باقتراح خطة جديدة لزيادة درجة أمن الطاقة في الولايات المتحدة، وهي خطة تعتمد على استيراد الغاز الطبيعي المسال من الخارج. بيد أن تلك الخطة حذرت من أنه إذا ما أصبح الغاز الطبيعي المسال هو المصدر الرئيسي للطاقة للولايات المتحدة، فإن ارتفاع الطلب على تلك المادة في مختلف أنحاء العالم، سيكون معناه أن الولايات المتحدة ستتعرض إلى مشاكل مستقبلية بشأن الغاز مماثلة لتلك التي تواجهها حاليا بشأن النفط.. بيد أن هناك بعض العوامل المخففة في هذا المجال منها على سبيل المثال، أن عدد الدول المنتجة للغاز الطبيعي أكبر من عدد الدول المنتجة للنفط، كما أنها أكثر توزيعا على مناطق العالم الجغرافية.
وتقدر احتياطيات الغاز الطبيعي المعروفة حتى الآن بـ 5,500 تريليون قدم مكعب. ولسحب هذه الكمية فإن هناك ما يزيد على 60 منشأة جديدة لتسييل الغاز الطبيعي في مرحلة التخطيط أو الإنشاء الآن في مختلف دول العالم. بيد أن إنشاء وحدة تسييل غاز واحدة يتطلب استثمارات مباشرة تصل إلى مليار دولار وربما أكثر من ذلك. ونظرا لأن معظم الدول المصدرة للغاز الطبيعي في الوقت الراهن هي دول نامية، فإن قيام مثل تلك الدول بإنفاق مبلغ ضخم كهذا، يعني أنها لن تفكر في المستقبل في تخفيض إنتاج الغاز، أو قطع إمداداته عن الدول المستوردة، لأن تصدير الغاز بالنسبة لتلك الدول سوف يكون "حتمية اقتصادية" أو ضرورة حياة.
أما في داخل الولايات المتحدة فتوجد حاليا خمس منشآت ضخمة لتسييل الغاز . ورجال الطاقة يقولون إن مستقبل البلاد يعتمد على بناء المزيد من تلك المنشآت.
وفي الوقت الراهن تدور معركة شرسة في الكونجرس الأميركي حول إحدى مواد مشروع قانون الطاقة الجديد، التي تمنح معظم اختصاصات الموافقة على بناء منشآت الغاز الطبيعي المسال لما يعرف باسم اللجنة التنظيمية الفيدرالية للطاقة. ويحاول حاكم كاليفورنيا النجم السينمائي السابق "أرنولد شوارزينيجر" وغيره جاهدين استبقاء جزء كبير من اختصاصات بناء منشآت تسييل الغاز الطبيعي في أيدي الهيئات المحلية وسلطات الولايات.
والولايات المتحدة التي تجد نفسها الآن محاصرة بين أسعار النفط المتزايدة والهموم المتعلقة بالإرهاب، لديها بدائل طاقة أخرى ولكنها جميعا مثيرة للجدل. فاللجوء مثلا إلى مصادر الطاقة القابلة للتجدد، أو إلى تطبيق سياسات كفاءة استخدام الطاقة يمكن أن يؤدي إلى تخفيض أسعار الغاز بنسبة 20 في المئة، كما يمكنه أن يوفر على أميركا مبلغاً يمكن أن يصل إلى 100 مليار دولار خلال خمس سنوات، كما جاء في تقرير صادر عن معهد اقتصاد الكفاءة في الطاقة وهو معهد أبحاث ودراسات مستقل.
في ديسمبر الماضي، أفرجت اللجنة الوطنية لسياسة الطاقة عن تقرير يدعو إلى زيادة كميات الغاز الطبيعي المسال المستورد من الخارج، لمقابلة الطلب المتزايد على هذه المادة، كما يدعو إلى اتباع مجموعة من إجراءات التوفير في الطاقة. بيد أن المشكلة هي أن الإجراءات ال