تبلغ مساحة السودان نحو 2.5 مليون كيلومتر مربع, أما عدد السكان فيبلغ أكثر من 30 مليوناً ويبلغ عدد المسلمين منهم أكثر من 82% وعدد المسيحيين حوالي 3% وعدد الوثنيين حوالي 14%. ونظام السودان السياسي والاجتماعي والاقتصادي قبلي، فهو مؤلف من أكثر من 750 قبيلة حيث تبلغ القوميات العربية 40% والزنجية 30%. هذا السودان تتكالب عليه معظم الدول مثل الولايات المتحدة وإسرائيل وإنجلترا وألمانيا وفرنسا، مثلما تتكالب على العراق النفطي. وهو فريسة سهلة للإدارة الأميركية الحالية بعد أن ساعدها مجلس الأمن بمجموعة من القرارات فرضت على السودان عقوبات اقتصادية وسياسية فيما يخص إقليم دارفور. وهذا ما يرجح تفضيل السودان ليكون الهدف المقبل للإدارة الأميركية الحالية بعد العراق وبخاصة أن الاحتلال يغوص في أزمة في العراق، وبذلك تستكمل الإدارة الأميركية الحالية سلسلة حروبها الوقائية وتهرب في الوقت نفسه من المستنقع العراقي، وتقسم السودان وتضعف الوطن العربي.
ولترجيحنا السودان ليكون الهدف المقبل للاعتداءات الاستباقية الأميركية أسباب منها: لقد تم إضعاف السودان ومحاصرته دولياً سابقاً. وهو في وضع تتفاقم معه المشكلات الداخلية ومنها مشكلات إنسانية وسياسية، ولدتها التدخلات الخارجية والضغوط المتواصلة التي لم تتح لأي حكومة سودانية سابقة بسط سيطرتها على كامل السودان. ثم إن هناك جبهة داخلية معارضة ذات نزعات قبلية وتقسيمية ودينية. كما أن السودان مسجل في القوائم الأميركية بأنه "إرهابي". وهذا ما يسهل على الإدارة الأميركية الحالية الذرائع والحجج، فهي لن تدعي أن للسودان برامج نووية وأسلحة تدمير شامل، فهو "إرهابي" نظراً لإيوائه أسامة بن لادن في مرحلة من المراحل بالرغم من أن اسم السودان قد أزيل مؤخراً من لائحة الإرهاب الأميركية. ويشار إلى استعداد الدول المجاورة للسودان إلى استقبال القوات الأجنبية الأميركية أو الإنجليزية أو الفرنسية لاجتياح السودان، ما عدا مصر التي ستعارض الاحتلال مهما كان سببه. أحد أهم الأسباب أيضاً, النفط. فبعد أن تم اكتشافه بصورة عامة في السودان، وبخاصة في جنوبه، والتعاقد مع شركات استثمارية هندية وصينية وماليزية، بات هدف الإدارة الأميركية الحالية هو حرمان الدول الأوروبية من الإمدادات النفطية التي يجب أن تحصر في يد واحدة هي الشركات الأميركية.
واحد من الأسباب أيضاً, وجود خطط أميركية وإسرائيلية لإزاحة نظام معادٍ لإسرائيل بالرغم من موافقة السودان على قرار قمة بيروت. كذلك يمكن القول إن ترجيح الإدارة الأميركية الحالية السودان للاعتداء عليه واحتلاله ناشئ عن سبب كنسي قائم على قاعدة عقائدية. فمعظم رجال الإدارة الأميركية الحالية من المحافظين الجدد ومن أنصار الكنيسة التي تؤمن بإمكانية عودة المسيح ثانية إلى الكرة الأرضية, وذلك يستوجب قيام دولة إسرائيل. ويضاف إلى ذلك أن السودان يتطلب معاهدة سايكس- بيكو جديدة تقسمه بعد أن نجحت تجربة المعاهدة في المشرق.
هناك 3 أسباب تجعل الخطة الأميركية منطقية في نظر الاحتلال والاستعمار: فهي منطقية لأن محاصرة مصر من الجنوب ستجعل التأثير على مصر سهلاً بسبب مياه نهر النيل ثم التقرب من منطقة البحيرات التي تعتبر من أهم المناطق الاستراتيجية في القارة الإفريقية، وبذلك يتم إخضاع دول القرن الإفريقي، وهي منطقة أيضاً مهمة في نظر الاحتلال والاستعمار لأنها تجزئ الوطن العربي وتحرمه من سلة الغذاء الكبرى إذا ما فطنت الاستثمارات العربية إلى تلك السلة. وهي منطقية أيضاً بسبب إيقافها المد العربي والإسلامي. فالإدارة الأميركية الحالية والإسرائيليون يريدون إغلاق البوابة الجنوبية لهذا المد المتمثلة في السودان، وترك المجال واسعاً أمام المنظمات الإنمائية الغربية وغير الغربية وبخاصة بعد أحداث العاصمة الإنجليزية.
إن السودان، بوضعه الحالي، سيكون عرضة لاحتلال واستعمار قوات أميركية، أو قوات حفظ السلام، إفريقية أو دولية أو من قوات حلف شمالي الأطلسي، وهما احتلال واستعمار حقيقيان وهما كارثة حقيقية تحل بالوطن العربي المجزأ.
إن بدء وزيرة خارجية الولايات المتحدة بزيارة الخرطوم ثم إقليم دارفور يساعد على هذا الترجيح، وتقديم تقرير إلى الرئيس الأميركي بأفضلية الدول التي تنصح الوزيرة باجتياحها، إذا كانت هناك أفضلية للاجتياح. وما قيام وزيرة خارجية الولايات المتحدة بزيارة بيروت فجأة إلا للتغطية على هذا الهدف.