تباينت ردود الأفعال حول إعلان الرئيس اليمني علي عبدالله صالح قبل أيام بعدم رغبته في الترشيح لفترة رئاسية إضافية، والحق أن التباين هذا ذهب من التشكيك، إلى المديح والثناء على القرار التاريخي الذي لم يسبقه له رئيس عربي سابق، على اعتبار أن كافة الرؤساء العرب هم من الراحلين ولا يوجد بينهم رئيس سابق واحد.
طبعا القول بعدم وجود رئيس سابق غير دقيق على اعتبار أن هناك ثلاثة رؤساء عرب سابقين لا زالوا أحياء. والأول بين هؤلاء هو الرئيس الجزائري السابق أحمد بن بيلا الذي انقلب عليه رفاق الجبهة بعد تحرير البلاد من الاستعمار الفرنسي وعاش تحت الإقامة الجبرية سنين حتى وفاة هواري بومدين عام 1978. والثاني هو الرئيس اليمني الجنوبي السابق، علي ناصر محمد، والذي غادر البلاد مكرها بعد اقتتال الرفاق الدموي عام 1985. أما الثالث فهو الرئيس السوداني السابق سوار الذهب، والذي جاء بانقلاب أبيض - وإن لم يكن ناصع البياض- عام 1985 ووعد بتسليم السلطة وقد فعل، ليدخل التاريخ من أوسع أبوابه كأول رئيس عربي يعد بالتنازل عن السلطة، ويعلن زهده فيها، فيفي بوعده، ويلتزم بعهده.
طبعا هذه الحسبة تستثني علي سالم البيض على اعتبار أن آخر مناصبه كان نائبا للرئيس حتى اندلاع الحرب الأهلية عام 1994، وتستثني أيضا الرئيس المخلوع صدام حسين على اعتبار أنه لا يزال يعتبر نفسه رئيسا للعراق. شكك المشككون بقرار الرئيس اليمني، فقالوا إنه مسرحية سبق عرضها في مصر بعيد النكسة عام 1967 باستقالة الرئيس جمال عبدالناصر الشهيرة التي نظمت المظاهرات على إثرها للمطالبة بعدول الزعيم عن الاستقالة وقد فعل. لا بل ذهب أحد الكتاب في تشكيكه بجدية قرار الرئيس اليمني أن اتهمه بالوقوف وراء المظاهرات الدامية وأحداث الشغب التي اجتاحت المدن اليمنية الأيام الماضية احتجاجا على ارتفاع أسعار الوقود، وراح ضحية تلك الأحداث عشرات القتلى والجرحى، وكان تفسير هذا الكاتب أن الرئيس اليمني يقف وراء أحداث الشغب ليقول للشعب اليمني- انظروا ما حل بكم ساعة إعلاني عدم الترشيح لفترة رئاسية ثانية، وتخيلوا ما سيحل بكم لو أني غادرت المسرح حقا!
وراح "المؤامراتيون" يشككون في صدق القرار وقالوا إنه حتى لو التزم به، فإنه التزام مقابل التزام آخر يقضي بمجيء ابنه أحمد من بعده، وقد أراد الرجل أن يضمن استمرار الحكم الوراثي لعائلته وهو حي وفي كامل قواه الصحية والعقلية.
الرئيس اليمني علي عبدالله صالح أطلق قنبلة من العيار الثقيل، والحق أن ردود الأفعال وتباينها، تعكس حجم المفاجأة، وندرة مثل هذا القرار في ديار بني يعرب، كما أن التشكيك، سوف ينقلب لصالح الرئيس علي عبدالله صالح، في حال نفذ الرجل وعده، وتخلى فعلا عن كرسي الرئاسة، وسوف يضطر المشككون إلى الثناء والمديح والتراجع عن تشكيكهم، أو إلى الصمت المخجل في أحسن الأحوال.
أنا شخصيا أعتقد أن الرئيس اليمني قد دخل التاريخ فعلا كموحد لليمن - مع التحفظ على الطريقة التي تمت بها تلك الوحدة-، كما أن التاريخ سوف يخلده فعلا لو التزم بقرار التنحي والتخلي عن الرئاسة، حتى لو كان ذلك لصالح ابنه أحمد، على اعتبار أن "الحكم عقيم"، وهو قول يجسد السلطة التي لا تعرف "لا ولد ولا تلد" كما نقول بالشعبي، وما لك من المؤمنين إلا أقوالها. أنا مع أن القرار يعكس أن الحكمة يمانية، وليس تهويشة كروية، ولا أتفق مع المشككين، والأيام بيننا.