مبارك: الولاية الخامسة وتحدياتها


تقاطع على ساحة التطورات الجارية في مصر، ومن ثم على مسرح الرأي العام المصري والمعركة الدائرة لكسبه، حدثان حملا طابعا تراجيديا حادا وعنيفا، أحدهما تفجيرات منتجع شرم الشيخ (وهو المكان الذي باتت له رمزيته في توجهات السياسة المصرية منذ بعض الوقت)، وثانيهما - وقد سبقها- واقعة اختطاف السفير المصري في بغداد وإعدامه على أيدي "تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين"، وما جره ذلك من سجال داخلي وجه فيه معظم اللوم إلى الحكومة المصرية! بيد أن فصلي المأساة المتتاليين، وخلافا لبعض التوقعات، أو بالأحرى المراهنات، لم يؤثرا - فيما يبدو- على مسار الإعداد لترتيبات المرحلة القادمة واستراتيجياتها المفترضة، وعلى الأخص فيما يتعلق منها بمسألة ما إذا كان الرئيس مبارك باقيا في سدة القيادة أم بصدد التنحي منها. وقد وضع حداً للتكهنات في هذا الشأن، معلنا الخميس الماضي قرار ترشحه لحكم البلاد خلال ولاية رئاسية أخرى... هي الخامسة.


وبينما ضاق المجال الزمني قبل موعد البدء بتقديم ملفات الترشح لانتخابات الرئاسة، وتاريخ إجراء الاقتراع الرئاسي نفسه -7 سبتمبر المقبل-، أثيرت تساؤلات حول دواعي تأخر الرئيس مبارك في الكشف عن ترشحه! هل لأن "الحزب الوطني" الحاكم لم يحسم مداولاته الداخلية حول اسم مرشحه للرئاسة إلا في هذا الوقت؟! أم لأن الرئيس نفسه كان مترددا في السير نحو ست سنوات أخرى من الحكم؟ أم أن الأمر يتعلق بالظروف والتطورات الأخيرة وما فرضته من مناخ غير مناسب لإعلان إعادة ترشح "الريس"؟


 بعيدا عن ذلك تتجه الآن كل التساؤلات والتوقعات الكبرى في مصر نحو  آفاق المستقبل وتحدياته الشاخصة، أي نحو السبل إلى إصلاح شامل وحقيقي خلال الولاية القادمة للرئيس مبارك، حيث أبقت الفترات السابقة على عدد غير قليل من الملفات الأساسية معلقة، لتلقي بظلالها على حياة المصريين في المجالات السياسية والاقتصادية عامة. فرغم مكاسب السنوات الأخيرة، وما سجله الاقتصاد المصري من انتعاش ملحوظ، فإن قدراته التنافسية لم تتطور قياسا إلى ما تحقق في دول نامية عديدة، بل عانى من عجز متكرر في ميزان المدفوعات، وظلت المساعدات الخارجية وعائدات القطاعين السياحي والزراعي أحد دعائمه الرئيسية.


وأدت أزمتا انهيار سعر الجنيه وأزمة هروب أموال البنوك (نواب القروض)، إلى شعور عام بأن الاقتصاد المصري ليس محصنا ضد هزات أو تأثيرات محتملة. وفي ظل الانفجار الديمغرافي وارتفاع أرقام البطالة، لم يعد لمؤشرات النمو الاقتصادي أثر في حياة الغالبية من المواطنين الذين يزداد قلقهم من سياسة الخصخصة وإنهاء الدعم لبعض السلع والخدمات الأساسية!


 وإذا كانت تلك علامات على أعراض الانتقال نحو نظام السوق، وهي العملية التي بدأتها مصر في عهد الرئيس السابق أنور السادات واستمر تنفيذها من بعده، فهي ترتب عبئا آخر على الرئيس مبارك خلال ولايته القادمة، خاصة أن ما تولده من احتقان وغضب على الصعيد الاجتماعي قد أصبح خزانا يمد معارضيه بمزيد من المؤيدين! وهنا تطرح مسألة الإصلاح السياسي نفسها كتحد يتعين تجاوزه؛ خاصة أن الأشهر الأخيرة شهدت ميلاد حراك سياسي غير معهود في الساحة السياسية المصرية، وطرحت مسألة التغيير في شعارات وصيغ جديدة تجاوزت الممنوع، بما في ذلك المطالبة  بإلغاء قانون الطوارئ، وإنهاء "احتكار الحزب الوطني للدولة"، وإلغاء إمكانية توريث السلطة، وعدم السماح لرئيس الجمهورية بتولي السلطة خلال أكثر من ولايتين.


 وربما أدرك الرئيس مبارك أن بعض الإجراءات، مثل "الفكر الجديد" الذي طرحه "الحزب الوطني" (تبناه نجل الرئيس جمال مبارك) منذ نحو عامين، ثم التعديل الدستوري الأخير حول طريقة انتخاب الرئيس، لم تستجب للطموحات التي عبرت عنها قوى وتيارات مصرية عديدة، فبادر إلى إعطاء وعود وتعهد في خطاب ترشحه بتغيير قانون الطوارئ، وبتعديل دستوري يضبط سلطة رئيس الجمهورية. وإن كان من المؤكد أن خطوة كتلك لن تدفع المعارضة إلى تغيير قرارها بمقاطعة الانتخابات الرئاسية القادمة، وقد اشترطت لذلك إشرافا قضائيا كاملا على الاقتراع ووجود مراقبين دوليين، فقد تجد ترحيبا في واشنطن التي لم تخف استياءها مرارا من "بطء خطوات الإصلاح السياسي في مصر"، بل حرصت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس على أن تضع زيارتها الأخيرة إلى القاهرة في السياق ذاته.


وفي ملف العلاقات المصرية- الأميركية قد تنشأ بعض الإشكالات المحتملة خلال ولاية مبارك الرئاسية القادمة، ويتعلق أولها بالدور الإقليمي عامة لمصر، فيما قد يأتي الثاني من تهديد أمنها المائي جراء السياسات الأميركية في منطقة دول حوض النيل. أما الثالث فربما ينجم عن الخفض التدريجي في معونات واشنطن للقاهرة.


تلك إجمالا هي أهم التحديات التي سيتعين على الرئيس مبارك مواجهتها بعد ما أعلن الخميس الماضي ترشحه للرئاسة م