العمليات الانتحارية ليست ظاهرة جديدة. فبعض المؤرخين يرجعونها إلى عهد الفوضويين الروس في بدايات القرن العشرين، والبعض الآخر يُرجعها إلى فترات سابقة في التاريخ الإنساني. مع ذلك لا يوجد لدينا حتى الآن تعريف جامع لهذا الشكل من أشكال العنف السياسي. وكتاب " الطريق إلى ساحة الشهداء: رحلة في عالم الانتحاريين" لمؤلفيه "آن ماري أوليفر، وبول شتاينبيرج" هو كتاب يصفه مؤلفاه بأنه سجل لذكرياتهما الشخصية، خلال فترة الخمس سنوات التي أمضياها في قطاع غزة والقدس.
ويقول المؤلفان إنهما خلال تلك الفترة، أُتيح لهما إجراء مقابلات مع عدد كبير من أنصار حماس، وجمعا كما كبيرا من المعلومات عما يصفانه بـ"وسائل الإعلام السرية" والتي يقصدان بها شرائط الفيديو، والشرائط الصوتية، والبطاقات، وصور الرسومات الجدارية التي تستخدمها المنظمات الفلسطينية المختلفة. يبدأ المؤلفان كتابهما بسرد بعض المعلومات التي لا تضيف جديدا في الحقيقة، مثل القول إن سبب لجوء أعضاء حماس إلى العمليات الانتحارية، يرجع إلى أنهم يشعرون بأنهم الطرف الأضعف في الصراع مع الإسرائيليين، وأنه ليس بمقدورهم أن يخوضوا حرب عصابات من النوع التقليدي الذي يقوم على الكر والفر, وبالتالي فإن العمليات الانتحارية هي الوسيلة الوحيدة المتاحة أمامهم لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي.
ويشير المؤلفان إلى أن أسلوب الهجمات الانتحارية ليس مقصورا فقط على حماس، أو المنظمات الفلسطينية المسلحة الموجودة داخل غزة والضفة الغربية فقط، وإنما هو أسلوب طبقته جماعات ومنظمات مختلفة في جميع أنحاء العالم وفي أزمنة مختلفة مثل جماعات "الكاميكازي" في الجيش الياباني أثناء الحرب العالمية الثانية، ونمور التاميل في سريلانكا، وتنظيم القاعدة، وحزب الله اللبناني، وغيرها. بعد ذلك يقوم المؤلفان بإيراد بعض المعلومات, كقولهما مثلا إن القوة التدميرية للعمليات الاستشهادية، تزيد عن القوة التدميرية لعمليات المقاومة التقليدية، وإن هناك فارقا بين الانتحار العادي، وبين العمليات الانتحارية، فالأول هدفه التخلص من الحياة، أما الثانية فهدفها إلحاق الخسائر في الأرواح في صفوف العدو، حتى لو أدى ذلك إلى مصرع المنفذين لتلك العمليات. وعند تناول هذه النقطة يحاول المؤلفان الإيحاء بأن عددا كبيرا من تلك العمليات لم تكن بقصد المقاومة، وإنما كانت عبارة عن عمليات انتحار فردي، يقوم بها أفراد يعانون من مشكلات اجتماعية، ومشكلات اقتصادية معينة، تدفعهم للتخلص من حياتهم، ولكنهم يقولون لأنفسهم طالما أنهم سيموتون فلماذا لا يأخذون معهم إلى العالم الآخر أكبر عدد ممكن من الإسرائيليين، الذين كان جيشهم هو السبب في المشكلات التي يعانون منها. وهما هنا يوردان بعض الأمثلة التي لا تقنع أحدا، كقولهما مثلا إنهما قد عرفا من مصادر معينة، أن هناك فتاة فلسطينية كانت تتعرض إلى انتهاكات جنسية متكررة من جانب إخوتها، وأن ذلك هو الذي دفعها في النهاية إلى أن تقوم بوضع حد لحياتها عن طريق القيام بعملية انتحارية ضد الإسرائيليين.
في مواضع كثيرة من الكتاب، نجد المعلومات التي لا تقنع أحدا، في نفس الوقت الذي يغفل فيه المؤلفان ذكر أشياء أكثر أهمية مثل عقيدة الأشخاص الذين يقومون بهذا النوع من العمليات، والغرض الأساسي منها، وهل هو إلحاق أكبر قدر ممكن من الخسائر البشرية في المدنيين الإسرائيليين، أم توصيل رسالة رمزية لهؤلاء الإسرائيليين، مؤداها أنهم سيستمرون في مواجهة احتلالهم لأراضيهم بكافة الوسائل سواء كانت مشروعة أو غير مشروعة، وأنهم – الإسرائيليون- لن يستطيعون كسر إرادة المقاومة لديهم مهما فعلوا.
إن الكتاب يفتقر إلى التماسك إلى حد كبير. فنحن نرى المؤلفين يكتبان عن نقطة معينة, ثم ينتقلان بدون تمهيد إلى نقطة أخرى, دون أن يوفيا النقطة أو الموضوع الأول حقهما. نراهما في لحظة معينة واقفين في مكان ما في انتظار إجراء مقابلة مع الراحل الشيخ أحمد ياسين الزعيم الروحي لمنظمة حماس، ثم نراهما فجأة بعد ذلك وهما يبحثان عن شقة يقيمان بها في القدس، دون أن يخبرا القراء هل قابلا الشيخ ياسين أم لم يقابلاه؟. وماذا دار في المقابلة؟. وماذا قال لهما؟. وماذا قالا له؟. وما إلى ذلك. وتكتيك القطع الذي اتبعه المؤلفان قد يصلح في السينما ولكنه بدون شك غير مستحب بالنسبة لمثل هذه النوعية من الكتب السياسية. من الأدلة الأخرى على اتباعهما لهذا الأسلوب قولهما إنهما قد غادرا المنطقة نهائيا عام 1993، ولكننا نراهما بعد ذلك واقفين وسط الجماهير لمشاهدة عودة ياسر عرفات إلى غزة عام 1994( أي في العام التالي لمغادرتهما). ولم يقتصر الأمر على افتقار الكتاب إلى التماسك، بل إننا نجد أن لغته تجعل القارئ يشعر بأن المؤلفين لم يولياها الاهتمام الكافي. فهي لغة فجة، مفتعلة، بل وسخيفة أيضا كقولهما مثلا عن عودة عرفات إلى غزة:" وفجأة تجسد عرفات فوق رمال غزة". أو قولهما:" وطاف الفلسطينيون في الشوارع وهم يلوحون بأغصان النخيل أو أغصان الزهور" أو وصفهما ل