ليس من المبالغة في شيء القول إن تفجيرات السابع من يوليو في العاصمة البريطانية ستتعدى أصداؤها وآثارها مجتمع المسلمين البريطانيين وتنعكس نتائجها السلبية على مجتمعات المسلمين في كثير من بلدان الغرب. تلك حقيقة مؤسفة يتعين على المسلمين في تلك البلدان أن يتنبهوا لها وأن يعملوا بجدية ووعي مستنير لمعالجة آثارها السلبية على حياتهم وعلى علاقاتهم ببقية مواطنيهم من غير المسلمين في البلدان التي اختاروها أوطاناً لهم. إن حقوق وواجبات المواطنة تتساوى في المسؤولية، فليس هنالك حقوق للمواطن بلا واجبات يتعين عليه الالتزام بها، تماماً بقدر ما يتعين عليه الدفاع عن حقوقه الدستورية والقانونية التي تحققت واستقرت في المجتمع عبر نضال طويل وتضحيات كبيرة دفعها أفراد وجماعات المجتمع ليثبتوا في النهاية المبدأ القائل بأن المواطنة هي مصدر وعقد جميع الحقوق الإنسانية المتكافئة والمتساوية, التي لا يجوز لأي سلطة أن تحرم منها أي مواطن أو جماعة من المواطنين بغض الطرف عن أصولهم العريقة ومعتقداتهم الدينية أو السياسية.
والمسلمون الكنديون هم بكل هذه المعاني وغيرها جزء صميم من نسيج هذا المجتمع الكندي المتعدد الأعراق والديانات، لا يصون ويحفظ حقوقهم فقط الميثاق والدستور الكندي، وإنما أكثر من ذلك يحفظها ويصونها مجتمع إنساني صنع لنفسه وبنفسه قيماً اجتماعية ونظاماً اجتماعياً تميز به عن كثير من المجتمعات الرأسمالية في الغرب, وأعلى به من قيمة المواطنة بحيث أصبحت كندا نموذجاً جاذباً للمهاجرين واللاجئين من شتى بقاع الدنيا, ومن بينهم المسلمون الذين تجاوز عددهم في كندا ستمائة ألف مواطن كندي.
منذ تفجيرات السابع من يوليو في العاصمة البريطانية لندن ومجتمعات المسلمين الكنديين تتصاعد فيها الحركة على "خطبة الجمعة" في المساجد وامتدت الحركة - وتلك ظاهرة صحية جيدة - الى المنابر الإعلامية من صحافة وتلفزيون وإذاعة ... وترتفع وتعلو أصوات المتحاورين أحياناً، وقد تبدو هنالك أصوات نشاز تريد أن تتميز بالمخالفة عن مجرى التيار العام، لكن المحصلة النهائية ذلك "البيان الإسلامي" الصادر بالإجماع عن أئمة المساجد المسلمين الكنديين (وقع على البيان مائة وتسعة وعشرون إماماً وامتنع عن التوقيع إمام مسجد واحد) والذي أعلنوا فيه جملة من المواقف التي تعبر فعلاً ومضموناً عن موقف عامة وأغلبية المسلمين.
فمثلما الاحتلال والعدوان على بلد إسلامي مرفوض ومدان من قبل المسلمين وغيرهم من البشر الأسوياء، وحق مقاومة الاحتلال الأجنبي حق مشروع للشعوب الواقع عليها الاحتلال والعدوان، فإن قتل وإرهاب المدنيين الأبرياء المسالمين هو وبنفس القدر أمر مرفوض لا يبرره شرع أو دين ولا يقبله الضمير الإنساني المسلم. كما جاء في البيان الإسلامي...
بمثل هذه الروح والوعي المستنير يتوجب على المسلمين أن يديروا حوارهم مع بقية مواطنيهم في المجتمعات الغربية. وبمثل هذه الروح وهذه الموضوعية تكسب قضية المسلمين تأييد وتعاطف أغلبية الشعوب في العالم الغربي التي ترفض العدوان والاحتلال والحرب وتنشد العدل والسلام لكافة البشرية.