لا زلت أذكر ذلك الصلف الذي استصحب حملة القصف الجوي المسماة بـ "الصدمة والرعب" التي أطلقت الحرب الأميركية على العراق, منذ ما يزيد على العامين. وكانت كل التوقعات لتك الحرب, أنها ستكون رقصة رشيقة, وقيل لنا إن العدو سيتداعى وينفرط زمامه كما لو كان سطحاً خفيفاً من القماش الذي تغطى به مائدة الطعام.
ثم علمنا في شطحة أخرى من شطحات خيال المحافظين الجدد في واشنطن, أن جيشنا سوف يتأهب من بغداد, لشن غزو آخر على الجارة إيران! وفي واحدة من كبريات أكاذيب الحكومة الأميركية على مدى تاريخها الطويل, ألح الرئيس بوش على تمرير كذبته على مواطنيه, الذين لم يفوقوا بعد من صدمة هجمات الحادي عشر من سبتمبر على بلادهم, بتأكيده القاطع على أن غزو العراق, يعد أمراً حاسماً لا مفر منه, لنجاح ما أسماه "الحرب على الإرهاب".
ففي خطابه الذي ألقاه في خريف عام 2002 –علماً بأنه خطاب صمم خصيصاً لاستقطاب الدعم الأميركي لغزو العراق- قال الرئيس بوش ما نصه "يحاجج البعض بالقول إن من شأن مواجهة الخطر الذي يمثله العراق, أن يشتت جهود الحرب المعلنة على الإرهاب. لكن وعلى نقيض ذلك تماماً, فإن مواجهة هذا الخطر العراقي, هي ضرورة لا بد منها من أجل الفوز بالحرب على الإرهاب". وفي خطاب آخر له, ألقاه في "سينسناتي" جاء على لسانه قوله: "فالعراق يحوز ويعمل على إنتاج الأسلحة الكيماوية والبيولوجية, إلى جانب سعيه لتطوير الأسلحة النووية". وعلى الرغم من أنني كنت دائم التحذير للسياسيين من ألا يتهوروا في سعيهم لنيل مآربهم, إلا أن الرئيس بوش شن حربه على العراق, بأسوأ ما يكون الفعل ونيل المأرب والقصد! على أن أهم ما نلحظه في حالة الرئيس بوش, أنه لم يتسن له مطلقاً تعلم ذلك الدرس الذي توصل إليه القائد الحربي الفرنسي جورج كلمينسو, منذ ما يقارب القرن تقريباً "ما أسهل شن الحرب, قياساً إلى صنع السلام".
فأين نحن الآن بالفعل إثر شننا لتلك الحرب؟ فها هو جيشنا لا يزال يجرجر أقدامه ويلعق جراحه كل يوم, في ذلك الوحل العراقي الباهظ التكلفة, في حين لا ينبئ الأفق عن أي نهاية قريبة للنزاع الدائر هناك. هذه هي الحقيقة التي أكدتها مؤخراً, مقالة نشرت في الصفحة الأولى من صحيفة "تايمز" بقولها إن شوكة التمرد العراقي, تزداد قوة وصلابة أكثر فأكثر كل يوم. أما فيما يتصل بتغطية أخبار سير الحرب على الإرهاب, فإنه لا شيء يسود صفحات الصحف سوى نشر الأخبار الأكثر سوءاً عنها. ولك أن ترى ما بثته الأخبار مؤخراً عن تلك الهجمات المروعة التي تعرض لها منتجع شرم الشيخ المصري, يوم السبت الماضي. وانظر إلى العاصمة البريطانية لندن, لترى كيف باتت ترتعد فرائصها خوفاً ورعباً, من سلسلة الهجمات الإرهابية التي استهدفت نظام نقلها, وأردت العشرات من مستخدمي ذلك النظام. بل إن شعوراً غامضاً بالخوف بدأ يدب في أوصال مواطني نيويورك, هنا في الولايات المتحدة الأميركية, على إثر بدء الشرطة وأجهزة الأمن, حملة تفتيش عشوائي لحقائب ركاب القطارات, خوفاً من أن يتكرر هنا ما شهدته لندن مرتين خلال أربعة أسابيع.
ثمة غيمة من الشك والذعر, سرت بين المواطنين, وأفقدتهم الشعور بالأمان الذي اعتادوا عليه! إلى ذلك فقد كشفت بعض المقابلات والتحقيقات الصحفية التي أجريت خلال الأيام القليلة الماضية, عن استيقاظ غالبية المواطنين الأميركيين العاديين, على حقيقة بسيطة تدور حول ما لا يزال يجهله الرئيس بوش. وتتمثل هذه الحقيقة في أن حربه التي شنها على الإرهاب الدولي, قد جعلت العالم أكثر خوفاً ورعباً وخطراً, بدلاً من أن تجعله أكثر أمناً واطمئناناً كما وعد. فلينظر الرئيس إلى أين قادنا غزوه الطائش للعراق!
بوب هربرت
_____________________________________
كاتب ومحلل سياسي أميركي
_____________________________________
ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"