نشطت الأقمار الصناعية الأميركية والروسية، وتدفقت المعلومات بين الـ"سي.اي.اي." والـ"كي.جي.بي." والموساد. تحرك الجيش الأميركي بكل دقة نحو الهدف. وكما وجدوا صدام حسين في الحفرة، تم القبض على ابن لادن في كهف صغير في أعالي جبال أفغانستان. هدأ العالم، وتنفس الجميع هواء الأمان. وزالت دولة الرعب... وأعلن الرئيس الأميركي بوش نهاية الحرب على الإرهاب.
عفواً، ليست هذه الرؤية جدية، أو حقيقية، لكننا استبشرنا، ووزعنا الأخبار الجميلة على كل من يحب الحياة، ويعترف بحق الآخرين في الوجود، وبأهمية المدارس والمستشفيات ومراكز البحوث, و"سخرنا" من هؤلاء الذين يقتلون الحياة، ويزرعون الشك ما بين الزوج وزوجته، ويؤلفون جيش الموتى من الشباب المُغرر بهم، ويرفضون الآخر طبقاً للعرق, والجغرافيا والتاريخ. "سخرنا" من هؤلاء الذين يَسعدون لموت طفل أو امرأة... أو تفجير مُختبر أو مدرسة. فدعونا الى تأليف أوبريت جديد يجمع كل فناني العالم في لوحة ترفض العنف، وتنتصر لمبادئ الديمقراطية وحق الجميع في العيش الآمن على وجه الأرض.
نعم، ليست الرؤية صحيحة في بداية المقال. لكن الدراسة التي نُشرت قبل أسبوعين عن تراجع الثقة في ابن لادن جعلتنا نستبشر خيراً في الحياة! فلقد نشرت الصحف ان ثقة المسلمين في ابن لادن قد تراجعت على النحو التالي:
- اندونيسيا من 58% عام 2003 الى 35% عام 2005.
- المغرب من 49% عام 2003 الى 26% عام 2005.
- تركيا من 15% عام 2003 الى 7% عام 2005.
- لبنان من 14% عام 2003 الى 2% عام 2005.
ولاحظ البحث الذي أجري على أكثر من ألفي شخص في كل دولة، ان النسبة ارتفعت في كل من الأردن وباكستان على النحو التالي:
- الأردن 55% عام 2003 الى 60% عام 2005.
- باكستان 45% عام 2003 الى 51% عام 2005.
ويُفهم من تلك القراءة أن مكافحة الإرهاب أو الدعوات الهدامة التي تصدر عن القاعدة، بما في ذلك العنف، يجب أن تنطلق من معرفة توجه الجماهير الإسلامية، وبالتالي تحديد السياسة الإعلامية العالمية لمحاصرة الإرهاب.
وطبقاً لمعطيات البحث أعلاه، فإن على الولايات المتحدة وآلاتها الإعلامية تركيز جهودها في كل من الأردن وباكستان لمحاولة تخفيض مستوى الثقة بالأعمال التي تقوم بها القاعدة، ومعرفة الأسباب الحقيقية لارتفاع مستوى الثقة، في الوقت الذي انخفضت فيه تلك الثقة، في بقاع أخرى من العالم. حتماً سيكون العامل الاقتصادي، والآلاف من العاطلين عن العمل، ناهيك عن الأمية والجهل الذي يسيطر على فئات كبيرة من المجتمع الإسلامي، من العوامل الرئيسية في تبني أفكار ابن لادن ودعوته الوهمية لحماية الإسلام عبر تدمير الآخرين، وكأنه لا يحق لغير المسلمين "الإرهابيين" العيش في هذا الكون. وهذا حكم قاسٍ وغير عادل حتى ولو أخذناه من أدبيات الدين أو الشريعة.
إذن، لابد من بحث الدوائر الإعلامية الأميركية عن الأسباب التي أدت الى ارتفاع وكذلك انخفاض درجة الثقة في ابن لادن ووضع العلاجات الناجعة لكل موقف. ولا شك بأن علاقات باكستان والأردن - كما نعلم - جيدة مع الولايات المتحدة، وكذلك جهودها نحو مكافحة الإرهاب والقضاء عليه. لكن مع ذلك، فإن الحكومتين لهما من المشاكل والهموم الداخلية، ما يستوجب التوقف عنده ومناقشته! فلئن كان الأردن دولة مواجهة ويرتبط بمعاهدة سلام مع إسرائيل، فإن الجماعات الإسلامية فيه لها موقفها من التعامل مع إسرائيل، كما أن التركيبة العشائرية في البلد تفرض حتميات محددة في التعامل مع إسرائيل أو الولايات المتحدة.
من جانبها باكستان تسعى للقنبلة الإسلامية وهو أمر يؤرق إسرائيل والولايات المتحدة، ويسد الطريق على "وردية" العلاقة بين واشنطن وإسلام آباد! كما أن التركيبة السكانية و"مخلفات" طالبان والأمية التي تعصف بالمجتمع، تجعل المعالجة صعبة، ما لم تبدأ الولايات المتحدة سياسة إعلامية مدروسة لخفض درجة الثقة في ابن لادن وتوجهاته، في الوقت الذي تمارس فيه سياسة ملائمة أخرى، في الدول التي انخفض فيها معدل الثقة حتى لا يتراجع، وتزداد الثقة، وهو أمر معروف في دوائر البحث الإعلامية.
وما قد نحتاجه في هذا الوقت بالذات هو صدق النية في محاربة الإرهاب بكافة أشكاله، وعدم التعويل على "إحراج" الولايات المتحدة، كونها تصدر سياسات لا تحبذها الأنظمة المتحالفة معها، وبالتالي قيام هذه الأنظمة بالتلاعب بالألفاظ أو اللعب من تحت الطاولة فيما يتعلق بمحاربة الإرهاب لتحقيق "بؤر" اختراقات أو ضعف في موقف الولايات المتحدة في العراق مثلاً!
وثاني الأمور, هو التحقق من التجمعات التي تُنتج الخلايا أو توقظها. وهذا أمر مهم يستوجب من الدول إعادة النظر في أساليب استخدام المسجد أو التجمعات الدعوية التي تدعم الإرهاب، وتلك التي "تغسل" أدمغة الشباب اليائس من الدنيا بإعطائه "مفتاح الجنة" المزعوم. لا بد للحكومات العربية والإسلامية ان تقوم بتحديد دور المسجد والمدرسة بصورة حضارية، بحيث يؤديا دورهما الأسمى، دونما شطط أو انحياز نحو الدعوات الهدامة، وتكفير الآ