"التفجير" ثمرة "التكفير" هذا ما تؤكده، وقد أكدته، سلسلة العمليات الإرهابية الممتدة عبر 3 عقود من الزمن، بدءاً بالمجازر في الجزائر ومروراً بمصر والسعودية والشيشان وباكستان والعراق ثم نيويورك فمدريد ولندن وأخيراً وليس آخراً تفجيرات منتجع شرم الشيخ والتي تعد أكبر عملية إرهابية ضربت مصر، منذ أكتوبر عام 1981 حين قتل نحو مئة من الشرطة والأهالي والإرهابيين في أسيوط عقب اغتيال السادات.
لقد توحش الإرهاب وأصبح همجياً، فأصبح يقتل ويفجر ويدمر بدون تمييز، رجالاً ونساءً وأطفالاً، مسلمين وغير مسلمين. أصبح الهدف هو القتل والتفجير والدوي الإعلامي، وبث الرعب والفزع. لقد كان الإرهاب فيما مضى محصوراً في الساحة العربية، ثم بدأ يتطاول الى خارجها، وكانت ضربته الكبرى لبرجي الشموخ الأميركي، فكان أن ضُرب في عقر داره، أيام طالبان - ودمرت أوكاره، فانطلق يُعربد ويُفسد في الأرض، وأصبح العالم فزعاً يحيط نفسه بإجراءات أمنية متشددة، في المطارات والفنادق والمؤسسات الحيوية والسياحية. وضاق الناس وأصبحوا يحنّون الى الحياة السهلة - تلك الأيام الخوالي - فهل من عودة؟!
الآن: ماذا فعل العالم بنا حتى يتوحش بعض أبنائنا؟! أية ثقافة ارتضعوها ليصبحوا متعطشين للدماء والدمار؟! وهل حقيقة أن هؤلاء الفتيان الذين وصفهم أحد أئمة الوسطية والاعتدال - بأنهم صوامون قوامون، هزّهم ما يرونه في مجتمعاتهم من رِدّة فكرية وتحلّل أخلاقي واستبداد سياسي وتحكم العلمانيين في وسائل الإعلام والثقافة، فتمردوا، لكنهم حسنو النية وإن أخطأوا الطريق؟ هل هؤلاء يثأرون لكرامة الأمة - حقاً - ؟! هل هؤلاء هم أملنا في استرداد كبرياء المسلمين الجريحة؟! هل هم رهاننا في الانتقام من مظالم الغرب لنا؟! هل هؤلاء طليعتنا في حربنا العالمية الجديدة بحسب تعبير عبدالمنعم سعيد؟! هل ما يقوم به هؤلاء هو "شرف العنف" الذي نباهي به الأمم بحسب تعبير أحمد عبدالملك؟!
"نعم" هكذا تشير الاستطلاعات العديدة والمتتالية للساحة العربية والإسلامية المتعاطفة مع ابن لادن - في الأردن وصلت النسبة الى 60% وفي باكستان 51% بزيادة عن استطلاعات عام 2003 - وهكذا تؤكد كل التحليلات العربية لكبار كتابنا ومحللينا وخبرائنا ورموزنا الدينية عقب كل تفجير انتحاري! عقب تفجيرات أميركا قالوا: إنها بسبب السياسات الأميركية الحمقاء في المنطقة. وبعد تفجيرات لندن، أكدوا أن ذلك بسبب مشاركتها في الحرب في العراق، وبريطانيا تدفع الثمن. وبعد مقتل السفير المصري اتهموا الحكومة المصرية بخضوعها لأميركا، وبلغت الوقاحة بمساعد سابق لوزير الخارجية المصري أن قال: لماذا تريد مصر أن تغضب المقاومة العراقية؟! -رشحه أحمد راسم النفيس سفيراً لدولة الخلافة الزرقاوية المرتقبة-. وبلغ الاستهتار بدماء المصريين كما يقول - طارق الحميد - أنهم برروا مجزرة شرم الشيخ بإلقاء اللوم على إسرائيل وأميركا, أو بحسب تعبير "الاخوان المسلمون" المعتاد عقب كل تفجير "القوى الاستعمارية والمؤامرات العالمية".
إن تبريرات الإرهاب هي الأخطر من الإرهاب لأنها تُهيئ المناخ الثقافي الملائم لتنامي الفكر الإرهابي ولتناسل الخلايا الإرهابية. وإثم المبررين وكذلك المحرضين لا يقل عن إثم الإرهابيين. وهؤلاء الذين يحاولون تسييس الإرهاب، إنما يخلطون - عن عمد - بين "أسباب الإرهاب" - العقدي التفكيري - و"دوافع الإرهاب السياسية" وذلك لأهداف أيديولوجية وحزبية ضيقة لتوظيف العمليات الإرهابية لخدمة طروحاتهم السياسية.
إن أسباب الإرهاب كامنة في الأعماق الغائرة، في نفسية كارهة للحياة والأحياء، وفي عقلية تكفيرية قمعية إقصائية، وفي سلوكيات وحشية. في تلك الأيديولوجية العقدية التكفيرية التي تنظر الى سائر المسلمين - ما عدا أتباعها - نظرة كفر وضلال، تلك الأيديولوجية التي تكفر الشيعة والمتصوفة والأشعرية، وترى أن جنة الله لا تسع غيرها، قضت عمرها في حرب شعواء ضد الصوفية والأضرحة والقبور والشيعة فخلقت ذئاباً بشرية متوحشة. إنه الحصاد المر لمليارات أنفقت في سبيل تنشئة ظلامية، أقامت منابر ومؤسسات ومراكز وبعثت دعاة لترويج ذلك الفكر الظلامي الى كل أنحاء المعمورة. هذه الأيديولوجية المعادية للآخر الداخلي المختلف، لُقحت بأيديولوجية اخوانية وافدة تقوم على معاداة الآخر الخارجي المختلف فكان اجتماعها في عقلية ونفسية بعض شبابنا أشبه باجتماع البنزين والنار، متفجراً، مدمراً لصاحبه وللآخرين.
هل تعلمون ماذا قال المغربي الذي قتل فان جوخ - المخرج الهولندي -؟ "لقد تصرفت انطلاقاً من معتقداتي الدينية؟! ولو أفرج عني لفعلتها ثانية". وقال لوالدة المخرج الحزينة: لا أستطيع أن أشعر معك لأنك كافرة؟!
هل تعلمون ماذا قالت "كاميلا حياة" من المفوضية الباكستانية لحقوق الإنسان, "الشبان من أصل باكستاني الذين يأتون من بريطانيا، متطرفون جداً، فهم يحتقرون ثقافة بلادهم وباراتها وعلب الليل فيها، ويذهلون لرؤية نسائها في الشوارع من غير برقع"؟! وذلك في تعليق لها على المدارس القرآنية