بكل فخر تعلن الجماعات المتطرفة مسؤوليتها عن تفجيرات شرم الشيخ ولندن، وتعلن الحكومات والمنظمات الإسلامية إدانتها. ويبقى السؤال ما العمل حيال ما يحدث؟ وكيف لنا أن نحد من انتشار ظاهرة التطرف بين الشباب المسلم؟
ظاهرة التطرف معقدة ولا يمكننا فهمها إلا من خلال تحليل عميق لأسباب نموها، ولعلني لا أتحدث فقط عن عمليات العنف وإنما عن بيئة مشجعة لنمو الفكر والسلوك المتطرف. ففي الأردن تعالت الأصوات من النواب الإسلاميين لمنع الفنانة روبي من المشاركة في حفلات غنائية في بلادهم، وسبقهم إسلاميو الكويت بفرض ما يعرف بضوابط على الحفلات الغنائية. بل وصل الأمر إلى أن يتقدم بعض نواب الإسلام القبلي باقتراح بمنع تدريس الموسيقى والفن في المدارس على اعتبار أنها من المحرمات.
وفي تحقيق أجرته مجلة "روزاليوسف" أشارت الى أن مجال الفن المسرحي في المدارس والجامعات شهد تراجعا كبيرا في العشرين سنة الأخيرة وأصبحت دروس الفن بأشكالها المختلفة لا تلقى أولوية من التربويين بل اعتبرها البعض لا فائدة منها.
لعبة المجاملة السياسية أغرت الحركات الإسلامية لفرض وجودها في كل زوايا المجتمع, ليس فقط في الكويت وإنما في سائر البلاد العربية, دون أن تعي حكومتنا تداعيات سياساتها على الأمن الاجتماعي. الحكومات العربية كعادتها لا تفكر في عواقب الأمور، فهي دائما لا تملك رؤية استراتيجية لبناء الدولة الحديثة وهي التي تتحمل المسؤولية حيال تضارب القيم التي أودت بكثير من شبابنا إلى الهاوية.
لم تكن هذه الحدية في الفكر والسلوك مقتصرة على الكويت أو الأردن، وإنما معظم البلاد العربية شهدت في العشرين سنة الأخيرة انتكاساً وتراجعاً في تدريس الفن والتربية البدنية. وذهب البعض إلى الدعوة إلى تكثيف دروس الدين باعتبارها أدوات توفر حماية للنفس البشرية من الانزلاق. الاقتراحات التي يتقدم بها نواب الإسلام السياسي في الكويت تجد قبولا من السلطة التنفيذية وتتعامل معها على أنها جزء من اللعبة السياسية. الإسلاميون توفرت لديهم خبرة في كيفية طرح مشاريعهم ومقترحاتهم وجعلتهم يتمادون في تقديم مزيد من المشاريع ذات الصبغة الإسلامية كما يسمونها.
الفكر المتطرف لم ينبت بشكل مفاجئ, وإنما نما في ظل ظروف ملائمة وبيئة مساعدة له ومعظم الحكومات العربية مسؤولة عما يحدث من انحراف لدى الشباب الذي وجد نفسه في حالة ضياع كبيرة وغير قادر على مواجهة أزمات الحياة اليومية. إنه شيء محزن أن تتراجع الدولة عن دورها البناء في تقديم نموذج المواطنة الذي يضمن لنا العقلية المنفتحة والقادرة على استيعاب العلاقة بين الانتماء الديني والقبلي والوطني، باعتبار أن هذه الانتماءات لا تأتي على حساب بعضها البعض وإنما هي عناصر أساسية في تكوين الشخصية. ففي بريطانيا وعلى ضوء الأحداث الأخيرة, اتضح لنا أن البريطانيين الآسيويين يرون أنفسهم مسلمين قبل أن يكونوا بريطانيين، بمعنى تغلب الانتماء الديني أو المذهبي على حقوق المواطنة. هذه الاطروحات تجد قبولا لدى رجال الدين. فالوطن لديهم فكرة دخيلة وسخيفة كما وصفها القرضاوي، "رابطة التراب والطين" التي اعتبرها "لا تتلاقى مع مبادئ الإسلام"، واعتبرتها المناهج السعودية "لونا من الفسوق الذي عاقب الله به بعض الشعوب الإسلامية". إنها مأساة كبيرة تتحملها حكوماتنا التي لعبت بعقول شبابنا وجعلت منهم فريسة سهلة للحركات الراديكالية الدينية.
من الخطأ الاعتقاد, بأن الزمن سينهي الأزمات التي نواجهها. ليس أمامنا إلا مواجهة الواقع المرير والعمل على تغييره ضمن رؤية شاملة لمناهجنا التربوية وخطاب الدولة الديني وإلا فالتطرف سيبقى معنا وستدفع حكومتنا ثمنا غاليا لسياساتها الخاطئة.