من غير الوارد ولا المفيد ولا الممكن الدفاع عن الإرهابيين ولا حتى تبرير أفعالهم. كما لا يمكن اعتبارهم مدافعين أو مقاتلين من أجل قضية، حتى لو ادعوا ذلك. على العكس، أصبحنا عرباً ومسلمين متورطين بهم، بل أصبحوا يستخدمونهم بسهولة ضدنا، وفي كثير من الأحيان بتنا نعد قاعدة خلفية لهم شئنا أم أبينا. ومنذ أصبحوا الصانعين الوحيدين للأحداث في منطقتنا والعالم تحولنا إلى متهمين مطالبين ليس فقط بالتكفير عن شرورهم دائماً بقطع جذور هذه الظاهرة الموجودة فينا، في تراثنا وديننا وتقاليدنا وتربيتنا كذلك.
منذ أشعلت الحرب الأميركية العالمية على الإرهاب، وضعنا تحت المجهر فبدأنا بالتبرؤ منهم ومن ارتكاباتهم, وبالتفنن في الادانات للإرهاب فكراً وممارسات. وحاولت بلداننا وشعوبنا أن تعيش كما عاشت منذ عشرات السنين من دون ان توصم بالإرهاب, بل كانت ولا تزال تشعر بأنها معرضة لاعتداءات دائمة منها الخارجي ومنها الداخلي أيضاً, لكن تبين أخيراً، ومجدداً، ان ما فعلناه لم يكن كافيا، ولم يؤثر ابداً.
استناداً إلى بعض الكتابات والآراء لعرب وأجانب، نكتشف أن لدينا صمتاً يشكل سنداً للإرهاب والإرهابيين، وان هذا الصمت يعتبر قبولاً ضمنياً بـ"بطولات" الإرهابيين، ولاسيما الانتحاريين منهم. ينسى هؤلاء وأولئك ان تاريخاً من الصمت قد مرّ على منطقتنا وجعل شعوبنا توصف بالعجز والخنوع والتخلف، وقلما وصفت بالمسالمة والصبر وحتى بالانضباط.
بل يتعامى هؤلاء عن حقيقة أن هذا الصمت غدا جزءاً لا يتجزأ من "المواطنية"، وها هم "المواطنون" يلامون إذ صمتوا بالأمس واذ يصمتون اليوم. لكنهم، هذه المرة، مطالبون بأن يهبوا للقتال ضد الإرهابيين، إذ لم تعد لديهم خيارات أخرى، فأبناؤهم الأشرار انتشروا في كل أصقاع الأرض ليعيثوا قتلاً وتخريباً.
تلام الشعوب أيضاً على سلبيتها، فضلاً عن صمتها. فبعد كل الذي تعرضت له من احتقار ومهانة لا يجد المحللون سوى الاستغراب ازاء سلبيتها، ويتساءلون كيف أنها لا تتحرك بعدما قتل أناس من كل الاجناس في نيويورك ولندن ومدريد، وبالي وطابا وشرم الشيخ، من دون أن ننسى العراق، وحتى إسرائيل. تلك السلبية أصبحت ترى كأنها من طبيعة هذه الشعوب، أو لعلها جزء من خططها لتفريخ الإرهابيين. اللوم مقبول، لكن ماذا عن الحكومات والجيوش التي لم تستسلم للتحدي بل استجابت بكل ما لديها من امكانات. لم تمنعها سلبية الشعوب من أن تسن ما تشاء من قوانين تسميها "لمكافحة الإرهاب"، ولا حالت دون أن تتخذ السلطات ما تشاء من اجراءات تسميها "لتجفيف منابع الإرهاب". ومع ذلك، يبدو أن ما فعلته الدول ليس كافياً أيضاً. لكن أحداً لا يعترف بهذا الواقع، بل لا يعترف بفشل المحاولات المبذولة حتى الآن.
بين التنظير والتحليل، يقول البعض إن الحرب على الإرهاب نجحت في اخراج الإرهابيين من جحورهم، وفي استدراجهم إلى مواجهة لا يستطيعون الانتصار فيها. أي أن الحل الوحيد المتاح هو قتلهم، إذا تعذر القبض عليهم لوضعهم حيث لا يشكلون خطراً. اذهبوا في هذا المنطق إلى أقصاه: كم قتل، كم بقي فاعلاً، إلام يمكن أن يستمر هذا الخطر؟ من المشكوك به أن يكون الأمنيون قادرين على تأكيد أنهم باتوا يعرفون كل وجوه الظاهرة وأساليبها، والا فلماذا طرح السؤال: لماذا؟ سواء بعد تفجيرات لندن وشرم الشيخ الأخيرة، أو بعد أي عملية إرهابية، مما يعني أن الأمنيين لم يتوصلوا إلى تصور دقيق لكيفية تفكير جماعات الإرهاب. وإلا فكيف يفسرون هذا العدد المذهل من الانتحاريين يومياً في العراق. ثم لماذا لا تبدو هذه الحرب مقبلة على أي هدنة أو نهاية؟.
هناك بين الخبراء والمحللين، وقد أصبحوا كثراً، من يعتقد بأن الحرب على الإرهاب "أخفقت في السيطرة على الظاهرة الإرهابية تاركة الأمر للوقت", مع الاستمرار في القتل والقمع والتضييق. وعلى رغم شراسة الحرب تمكنت جماعات الإرهاب من احتراف العمل السري تحت الأرض، الى جانب استجابتها للتحدي بالانخراط في المواجهة، بل اصبحت احياناً صاحبة المبادرة في احراج السلطات. لكن الاخفاق الحقيقي لتلك الحرب تمثل في اخفاق المواكبة السياسية لها بل مساهمتها في تأجيج الظاهرة.
لا دفاع عن الإرهابيين، ولا تبرير لأعمالهم, ثم ماذا؟ عملياً ساهم الإرهاب في طرح كل أنواع الأسئلة على المجتمع الدولي، لكن الحرب على الإرهاب اعتبرت مجرد النقاش والتفكير (في زمن الحرب) انتصاراً ودعماً للإرهابيين. والأغرب أنه بعد كل عملية نكتشف من خلال اتهامات متبادلة أن الدول لا تنسق بين بعضها بعضاً بشكل كافٍ. كيف ذلك والحرب قائمة؟ ثم نكتشف أن مصادر تمويل الإرهاب لا تزال ناشطة، كذلك مصادر التسليح، فماذا فعلت الحرب إذاً؟ هناك حاجة إلى اختراق سياسي، جريء ومبادر، لمعالجة النزاعات واعطاء فرصة تاريخية للتنمية كي تفعل فعلها في تغيير أمزجة الشعوب لتصبح عاملاً مساعداً في محاربة الإرهاب.