إذا كانت ساحات المدن اليمنية شهدت خلال الأيام الأخيرة توترات دموية بسبب رفع أسعار المحروقات، فإن ساحات المدن اللبنانية، لا سيما العاصمة بيروت، التي كانت أم العواصم والنضالات وشهدت أشد وأعنف التظاهرات على مرّ التاريخ العربي الحديث، بسبب رفع أسعار المحروقات بضعة فلسات، أو لرفع الدعم عن رغيف الخبز، أو لرفع تسعيرة الكهرباء، أو لغيرها، باتت اليوم تغرق في سبات وسكون عميقين، ولا تشهد "حراكاً" أو نشاطاً معهوداً، رغم تاريخها الحافل بذلك.
بيروت تشهد سكوناً مع أنها مع بقية المدن اللبنانية تعيش نظاماً قاسياً لتقنين التيار الكهربائي، فهو لا يكاد يصل إلى المنازل حتى ينقطع ويختفي، تارة بحجة نفاد كمية الوقود في معامل إنتاج الكهرباء، وأخرى بحجة الأعطال التي تصيب المجموعات المنتجة له، وفي كلا الحالتين يدفع المواطن اللبناني الثمن، ولكنه يغيب في سكون قد أفقده أية قدرة على الحراك، وكأن الأزمة على كوكب آخر، أو أنه بات لزاماً عليه أن يرضى ويسلّم بالأمر الواقع. وربما هي بعض سياسة القمع التي استوردت من الأقطار المجاورة، فكممت الأفواه، وأخرست الألسن، وعطلت العقول، وثبّطت العزائم، فتعطلت أية قدرة على "الحراك"، في وقت تزداد فيه المأساة يوماً بعد يوم.
بين بيروت وصنعاء صناعة مستقبل، وحفاظ على حقوق. في بيروت صخب الليل في المقاهي والملاهي يولـّد سكوناً قاتلاً يـُغرق لبنان في ظلمة دامسة. وفي صنعاء "حراك" يدفع نحو أمل جديد، من أجل الحفاظ على الحقوق والثروات والمكتسبات. وما بين بيروت وصنعاء هو ما بين السكون و"الحراك"، فهل تتحرك بيروت من جديد في زمن انقطاع الكهرباء، وارتفاع سعر صفيحة الوقود، وازدياد الضرائب، وارتفاع معدل البطالة، واستفحال الأزمة؟ أم انها ستبقى غارقة في سكونها وسباتها؟ اللبنانيون يأملون "حراكاً" يخرجهم من أزمتهم.
وائل نجم-بيروت