الآلاف من رسائل التهديد والعشرات من حالات الاعتداء وقنابل حارقة على مساجد للمسلمين في المدن البريطانية، كانت حصيلة الثمار التي جناها المسلمون في بريطانيا من الفعل الهمجي الدنيء الذي ارتكبه شياطين تنظيم "القاعدة" بحق المدنيين الأبرياء في قطارات الأنفاق وحافلة الركاب في بريطانيا يومي الخميس في 7 و 21 يوليو الحالي. الآلاف من المسلمين في أوروبا لم يعد بإمكانهم اليوم المجاهرة بأنهم مسلمون في بلدان متحضرة، تراعي مبادئ حقوق الإنسان، وتؤمن بحرية الأديان وممارسة الشعائر الدينية، وتسمح بممارسة هذه الشعائر بكل حرية وديمقراطية يحسدهم عليها مليار و200 مليون مسلم يعيشون في أغلب الدول التي تدعي أنها إسلامية.
كانت لندن ولا تزال المدينة التي يسارع للجوء إليها كل من ارتكب حماقة في وطنه باسم الدين وشعر بأن حياته مهددة, وأن رجال المخابرات في بلد لا يعترف بأي حق من حقوق الإنسان، ولا بآدميته، يتربصون به. وكان هؤلاء يعلمون يقينا بأنهم إذا ما وقعوا بين أيدي رجال المخابرات في أوطانهم، لاختفوا وراء الشمس. فقد يكون مصيرهم تعذيبا لم تشهد البشرية مثيلاً له، أو اغتصاباً للأقارب أمام أعينهم أو تذويبا في الأحماض الكبريتية، هذا بعد قلع الأظافر وفقء العيون وقطع الأطراف بالمناشير الكهربائية, وتلك هي أبسط أنواع التعذيب المتبعة في معتقلات البلدان التي ينتمي لها هؤلاء الهاربون من الجحيم.
وما أكثر التحذيرات التي أطلقها العقلاء من الناس من خطورة إقدام الحكومات البريطانية السابقة والحالية على إيواء هذه الأشكال من "الهمج" الذين لا يحملون بداخلهم ذرة من الكرامة والإحساس والقيم، ولا دين لهم ولا أخلاق ولامبادئ... ولكن لم يستمع أحد إلى تلك الأصوات العاقلة، وتمت معاملتهم على أنهم مهاجرون أو أصحاب فكر أو مبدأ، فوجد "الهمجيون" فرصة للنمو الشيطاني في مدينة انتشلتهم من وحل الموت واحتضنتهم وقدمت لهم كل أنواع المساعدة، بل كان الكثير منهم يتسلم رواتب شهرية من الحكومة البريطانية نظير هروبه من بلده, وبدلا من أن يقدم هؤلاء الشكر والعرفان للبريطانيين حكومة وشعبا على كرم الضيافة وعلى الأخلاق والمبادئ الإنسانية التي تتميز بها الحضارة الغربية والأخلاقيات الأوروبية، خرجت أنياب الغدر والخسة لتنهش اليد التي امتدت إليهم، مطبقين قول الشاعر: إذا أنت أكرمت الكريم ملكته ...وإن أنت أكرمت اللئيم تمرد.
بالتأكيد ستعيد بريطانيا وبقية الحكومات الأوروبية النظر في حالة التسامح التي سادت في الماضي مع الذين يحملون أفكارا متطرفة، بعد أن أدركت ولو متأخرا بعض الشيء، أن من الخطورة بمكان تربية الأفاعي السامة والاعتناء بالشياطين وتربيتها بالقرب من البشر المتحضرين. فالفكر الإرهابي داء خطير، بل هو أخطر من كل داء على الجنس البشري، وإذا ما تسرب القليل منه، فإنه يلوث الهواء النقي من حوله كما تلوث المواد الكيماوية الأجواء وتقضي على الأخضر واليابس.
الحكومة البريطانية تعاملت مع تلك الجريمة الحقيرة بكل عقلانية وحكمة وتحضر، ونتمنى أن تستمر في هذه السياسة الحكيمة، وأن تعطي الفرصة لمن يستحق العيش بأمان في بلد الأمان، وأن تطهر أراضيها من كل فكر همجي جهنمي. فالإسلام العظيم بريء من أي فعل شيطاني، وهو يلفظ المارقين والمكفرين والهمجيين والوضيعين.