هناك فروقات هامة بين تجربة المهاجرين المسلمين والعرب في أوروبا وتجربة العرب الأميركيين والجاليات المسلمة في الولايات المتحدة. ولعل أهم فرق يبرز في التجربتين هو اختلاف أميركا عن أوروبا على مستوى التصور والواقع. فمثلا ما زلت أسمع حتى الآن الجيل الثالث من الأكراد المهاجرين في ألمانيا أو الجزائريين في فرنسا يشتكون من التهميش الذي يطالهم في المجتمعات الأوروبية. وهم حتى عندما يحصلون فعلا على الجنسية فإنهم لا يحصلون على الهوية التي تسمح لهم بالاندماج في المجتمعين الألماني أو الفرنسي.
بخلاف ذلك تعتبر الهوية الأميركية صيرورة دائمة التشكل عن طريق التحاق أعداد كبيرة من الجماعات المهاجرة واندماجها مع الاتجاه السائد في الولايات المتحدة. فأن يكون المرء أميركيا لا يعني بالضرورة انتماءه إلى مجموعة عرقية معينة دون غيرها، كما لا يوجد عرق بعينه يحدد لنا الهوية الأميركية دون سواه. فخلال جيل واحد استطاعت مجموعة متنوعة من الأعراق والجماعات الدينية أن تتحول إلى ما يعرف الآن بأميركا. ولا شك أن بعض المشاكل ما زالت قائمة، كما أن بعض المتطرفين ما زالوا يطلون برؤوسهم بين الفينة والأخرى. لكن التاريخ الأميركي يظهر أن ضغوط الاندماج في نسيج المجتمع هو أكبر من أن يقاوم. وفي الأخير تعتبر مسألة الجنسية الأميركية أكثر من مجرد الحصول على جواز سفر وعدد من الحقوق القانونية، بل تعني اكتساب هوية جديدة وتبني مفهوم مشترك للتاريخ. وبالطبع كلما التحقت مجموعة جديدة بالنسيج الأميركي كلما خضع مفهوم أميركا نفسه لبعض التوسع والتحول.
وهنا ما زلت أذكر ذلك الاجتماع الذي ضم قادة المجموعات العرقية بأميركا مع الرئيس السابق بيل كلينتون ونائبه آل جور في البيت الأبيض في إطار مساعي كلينتون لحشد التأييد لمبادرته "أميركا واحدة" وردم الهوة العرقية التي كانت تعيشها أميركا. ففي ذلك الاجتماع طفق الجميع يحكون في عفوية تامة عن تجاربهم الخاصة كمهاجرين والصعوبات الكثيرة التي واجهتهم في سبيل اندماجهم في المجتمع الأميركي. وعندما انتهى الجميع من سرد حكاياتهم المختلفة لاحظ الرئيس أن كل تلك التجارب تشكل مجتمعة التجربة الأميركية ذاتها. وفي الواقع لم تكن تلك الحكايات سوى جزء من التاريخ المشترك لصورة "أميركا واحدة" التي كان الرئيس كلينتون يسعى لتأكيدها. ونظرا لهذه التجربة الأميركية فإن المهاجرين العرب والمسلمين الذين قدموا مؤخرا وجدوا مجتمعا مهيأ لقبولهم واعتبارهم عنصر إثراء يضاف إلى الفسيفساء الأميركية المركبة. فالهجرة ليست بالشيء الطارئ على أميركا، بل تدخل في عمق تجربتها الوجودية، مما أوجد قاعدة متنوعة تفسح المجال للقادمين الجدد وتقبلهم كجزء من المفهوم الموسع لأميركا.
وأبرز مثال على ذلك القبول, ما حصل عشية أحدات 11 سبتمبر. ففي الوقت الذي كان العرب والمسلمون الأميركيون يخشون ردة فعل عنيفة من قبل الأميركيين، سارعت مجموعات واسعة من المواطنين من أصول آسيوية ومكسيكية، بالإضافة إلى الأفارقة الأميركيين وجماعات عرقية أخرى إلى الوقوف بجانبهم والدفاع عنهم. والجدير بالذكر أن تلك الجماعات العرقية تشكل أكثر من ثلث الأميركيين.
هذا وتعتبر سهولة الارتقاء الاقتصادي والاجتماعي أحد الاختلافات الأخرى التي تفرق بين التجربتين الأوروبية والأميركية بشأن موضوع المهاجرين. وفي هذا الصدد فإني كثيرا ما أسمع بأن سبب التهميش الذي يعانيه المهاجرون العرب والمسلمون في أوروبا راجع إلى مهاراتهم البسيطة خلافا لأصحاب الياقات البيضاء في أميركا الذين يسهل عليهم الاندماج في المجتمع الأميركي. غير أن ذلك ليس صحيحا. ففي الآونة الأخيرة قبلت الولايات المتحدة الآلاف من العرب ليبدأوا كموظفين في المطاعم، أو كعمال في المصانع، أو كسائقي تاكسي. والمهم أنهم لم يظلوا في نفس الدرجة المتدنية من السلم الاجتماعي والاقتصادي، بل انطلقوا في مشروعات خاصة حقق بعضهم من خلالها نجاحا كبيرا. بيد أن الفرص التي تمنحها أميركا للمهاجرين العرب والمسلمين لا تخفي التمييز الذي يعانون منه، ولا استياءهم من السياسات الخارجية للإدارات الأميركية. ولكنهم على الأقل يملكون حق الجهر بمعارضتهم كمواطنين وليس كأجانب.
جيمس زغبي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رئيس المعهد العربي الأميركي